المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما لا يعرفه إلا الملك وحارسه وأنا


alhebah.com
08-02-2017, 03:01 AM
http://www.alriyadh.com/media/cache/aa/a5/aaa51e75870dd6451655d020b400b833.jpgعندما طالعت الصحف ذات صباح، ووجدتها تشير إلى زيارة الملك سلمان لمصر، شعرت بسعادة كبيرة، فتلك الزيارة سوف تكون برهاناً حاسماً على أن العلاقات المصرية تسير في الطريق الصحيح، وسوف تقطع القيل والقال، وسوف تلجم كل من يدق الأسافين فيها. ولعل في هذه الزيارة يتم تحقيق حلم شخصي لي وهو توقيع برتوكول التعاون التعليمي بين البلدين والذي سبق أن أعددت مسودته أثناء عملي كمستشار ثقافي تعليمي لمصر لدى المملكة العربية السعودية.

وكانت تلك الزيارة بالغة الأهمية على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية، ومصر وشعبها يحبون الشعب السعودي ويحبون مليكه.

وذهبت إلى الجامعة لأداء عملي وكان على أجندته اجتماع مجلس جامعة القاهرة، وكان من بين الموضوعات المطروحة منح خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز درجة الدكتوراه الفخرية، وهنا وجدت إجماعاً فورياً من مجلس الجامعة على المنح وفورا طرح السيد رئيس الجامعة الموضوع، وتبارى السادة الحضور بتعداد مسوغات المنح، علماً بأن جامعة القاهرة مقلة جداً في منح هذه الدرجة العليا، ولا تمنحها إلا لذوي الإسهامات غير العادية، ويجب أن يتمتع الشخص المرشح للدكتوراه الفخرية بخصوصيات استثنائية في مجالات العطاء العلمية أو الإنسانية أو الوطنية. ولذا كان طبيعياً أن يتم طرح اسم الملك سلمان، وكان طبيعياً أن يتم المنح بإجماع كل أعضاء مجلس الجامعة. وينضم الملك سلمان إلى قائمة رفيعة المستوى عالمياً تم منحهم هذه الدرجة من جامعة القاهرة مثل الرئيس الأميركي «روزفلت»، والمناضل الأفريقي «نيلسون مانديلا» رئيس جنوب أفريقيا.

وفي نهار مشرق من أيام جامعة القاهرة العريقة، يحتشد رموز العلم والفكر تحت قبة جامعة القاهرة، وتبدأ مراسم المنح، وحتى هنا كل شيء معلوم للجميع، لكن بعد انتهاء المراسم، وحيث كان جميع أعضاء مجلس الجامعة جالسين على منصة المنح خلف الملك حسب تقاليد الجامعة في منح مثل الدرجة الرفيعة، أقول بعد انتهاء المراسم فجأة يتحرك الملك صوب أعضاء مجلس الجامعة، يقود القدر الملك نحوي، ويصافحني قائلاً على سبيل الملاطفة:

هل سوف أدرّس معكم وأعطي محاضرات؟

فرددت عليه تلقائياً: إنه لشرف أن يقوم بالتدريس بالجامعة، وسوف يكون جدول محاضراته جاهزاً؟

وتبادلنا الابتسامات مع الملك وسائر أعضاء مجلس الجامعة والسيد رئيس الجامعة.

ثم وقفنا جميعاً معه نتبادل أطراف الحديث، وتحرك الملك للخروج وكان السيد رئيس الجامعة بجواره من اليمين وأنا كنت على يساره، لكن كان المَخرج من خشبة المسرح ضيقاً فتراجعت، خلف الملك، هنا قام حارسه الخاص بأداء عمله في تأمين الملك، وهنا وجدتني أفسح الطريق أيضاً لحارسه وأنا أقول بتلقائية: (لا تقلق نحن فداه).

وتمر الأيام والشهور، وذات ليلة من ليالي القاهرة الناعسة أقوم بفتح الإيميل الخاص بي، فأجد دعوة من صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله وزير الحرس الوطني السعودي للمشاركة في مهرجان الجنادرية وإلقاء محاضرة عن (الأيديولوجيا في المشهد السياسي والفكري في العالم العربي)، وكانت سعادتي بالغة لأسباب عديدة:

أولها: أن تكون الدعوة من هذا الرجل الحبيب ابن الحبيب الملك عبدالله -رحمه الله- حبيب مصر والمصريين.

وثانيهما: أهمية الموضوع الذي اقترحه سموه للحديث فيه، خاصة أنني وجدتها فرصة لتخصيص الحديث عن (الأيديولوجيات الدينية المتطرفة) وكشف حقيقة دورها في تفكيك العالم الإسلامي وإراقة الدماء وهتك الأعراض وإتلاف الثروات وإضعاف أهل الدين الحق وإنهاك العقل والقلب، والمغالطات المعرفية التي تقع فيها، وكيف أنها أداة في يد الإمبريالية العالمية الساعية للاستحواذ على منابع الثروة؛ فهي عقول مكنت نفسها لتكون دمى «ماريونيت» يحركها المستعمر العالمي في حرب مستمرة على الشرق (من أفغانستان إلى العراق ثم سورية ومصر وليبيا واليمن)، وكيف أن ظواهر التكفير والتفجير والحرق هي السمة المميزة للموجة الثالثة للإرهاب ضد الشعوب والجيوش العربية، والتي تستخدمها حروب الجيل الرابع التي أطلقتها قوى الإمبريالية العالمية، والتي لا مرجعية لها سوى عقول مغلقة لا علاقة لها بروح الإسلام ونصوصه الصحيحة ومقاصده الكلية التي عُرفت من الدين بالضرورة: الحفاظ على الحياة، والعرض، والمال، والعقل، والدين. وهي الضروريات الخمس التي جاء بها الإسلام.

وثالثها: أنني اشتقت للرياض وذكرياتها السعيدة أثناء عملي كمستشار ثقافي ورئيس البعثة التعليمية في عامي ????-????، وهي لم تكن ذكريات سعيدة فقط في العمل مع المؤسسات السعودية، بل كانت ذكريات سعيدة أيضاً لأسرتي الصغيرة التي أحبت الرياض وشوارعها ومحافلها وأعيادها.

رابعاً: أنها فرصة للقاء كل الأصدقاء من السعوديين ومن المصريين الذين أحمل لهم كل حب وتقدير.

وحضرت إلى الرياض، وحالت ظروف الطيران دون حضور الافتتاح، وفاتني ما كنت أتمناه من رؤية خادم الحرمين عن قرب. ولكني قلت قدر الله وما شاء فعل. ولم أكن أعلم أن القدر يخبئ لي الأفضل.

فذات صباح طلبت إدارة المهرجان المخلصة والنشيطة طوال الوقت الاستعداد للذهاب إلى لقاء الملك على الغداء، وذهبنا إلى قصر اليمامة العريق، وكنت أظن أن الجموع الحاضرة من الأدباء والعلماء والمفكرين وقادة الرأي هي من الكثرة بحيث لا يمكن استعادة الحوار القديم مع الملك.

وعندما بدأنا في السلام عليه، وجدتني أقول له بكل بساطة وحب وتلقائية:

(أهلاً زميلي في الجامعة، متى سوف تحضر لتدريس المحاضرات؟ جدول التدريس جاهز).

فرد عليّ بوقاره الباسم: (إن شاء الله قريباً).

وانتهى الموقف، كنت أظن أن هذا الحوار الخاطف سوف يظل بيننا أيضاً ولن يتجاوز حارسه الخاص مثل المرة السابقة في رحاب جامعة القاهرة.

لكن في اليوم التالي دعانا صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله للغداء على شرفه، وحدث ما لم يكن في الحسبان ولا التقدير، الأمير متعب في كلمته الرئيسة أمام حشد الحاضرين من المفكرين والأدباء وقادة الرأي وقيادات الحرس الوطني وأمراء الأفواج، يذكر أن الملك سأل عن ذلك الرجل الذي حادثه عن زمالته في الجامعة، ويقول الملك للحاضرين: (أي جامعة؟)، فالملك سلمان حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعات عديدة، وهنا يذكر الأمير متعب أنه قال لخادم الحرمين: (ربما جامعة الحياة).

وطبعاً لم يكن من اللائق أن أقاطعه أثناء كلمته الرئيسة لكي أذكر الواقعة بكاملها. لكن بعد أن انتهى اللقاء سرت معه، وقصصت عليه الحوار القديم والحوار الجديد الذي لا يعلمه إلا الملك سلمان وحارسه وأنا، وأخرجت صورة لي مع الملك على الهاتف أثناء حوارنا بجامعة القاهرة، وقلت لسمو الأمير متعب: (إنه زميلي.. أليس كذلك؟) وهنا رد عليّ سموه بكلمات جميلة مخلصة في حب الملك سمعها القريبون منا، وابتسمنا جميعاً وسجلت الكاميرات تلك اللحظات.. ولكن لم يكن من المتوقع أيضاً أن تتصدر تلك الصور السعيدة أخبار اللقاء في الصحافة ووكالات الأنباء.

يبدو أن الرياض تصر على صنع الذكريات السعيدة معي، لكن هذه الذكريات السعيدة لن تكتمل إلا بدخول مصر والسعودية أقوى عصر للتحالف بينهما في مواجهة قوى الشر والفوضى والفقر في المنطقة، وإن غداً لناظره قريب.


أستاذ الأديان والمذاهب الحديثة والمعاصرة
ونائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون التعليم والطلاب



للتفاصيل أكثر أضغط هنا ...
(http://www.alriyadh.com/1569328)