المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدق أو لا تصدق .. فرعون مات مؤمناً ..؟


مخلص ال حبه
02-03-2011, 12:46 AM
اختلف العلماء والمشايخ وطلبة العلم المسلمون منذ القدم في تفسير الكثير من المسائل الفقهية الخاصة بالفروع، وتفاعلت النقاشات بينهم دون خصومة أو إخراج من ملة، فأصبح لكل شيخ طريقته - كما يقال، ولكل مدرسته الفكرية في فهم واستنباط الأحكام الشرعية، فأتت القراءات متباينة، واختلفت الاستدلالات في أمور ظنية هي موضع اجتهاد شخصي..

في هذا الحوار نستضيف الباحث الإسلامي الدكتور نجيب عصام يماني، أستاذ الشؤون الإسلامية والكاتب الإعلامي البارز في جريدة عكاظ، لنتعرف عن قرب على توجهاته الفكرية، ومواقفه، واستدلالاته المثيرة للجدل، التي يقول إنه يستند في تفسيرها إلى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.. بقي أن نشير إلى أننا قد نختلف مع د. يماني وقد نتفق،

ولكننا لا نتبنى مواقف معينة، فآراؤه، وتفسيراته، ومعتقداته ملك له وحده، وللآخرين حق الرد والتعليق والمداخلة.

** كباحث متخصص في الشؤون الإسلاميّة وحاصل على درجة علمية عالية في هذا الجانب، وكاتب إعلامي بارز.. نلاحظ أنك دائماً ما تثير الجدل بآرائك ومواقفك غير المتوقّعة والجرئية في كثير من القضايا الشرعيّة، هل أنت طالب شُهرة، أم شخص ذو رؤية اختلافية، أم ببساطة ساعٍ للحقيقة؟
ببساطة شخص ساعٍ للحقيقة يبحثُ عنها بصدق وإخلاص ليُقدّمها ناصعة للنّاس، بعد أن حاول البعض طمسها لحاجة في نفسِ يعقوب، فالشُهْرة لا تأتي من هذا الباب، والاختلاف لمجرّد الاختلاف مضيَعَة للوقت، وهو ليس بغيتي، وإنّما من أجل الوجه الأكمل للحقيقة.

** يقال إنّ العقل في العموم لا يتصارع مع محتوى الفكر الديني، ولكن عندما يتوسّع الإنسان في إدراكه للقضايا يصبح في حالة شك وتضاد مع هذا الفكر، هل يمكن القول إنّ الدكتور نجيب يماني وصل لهذه المرحلة من الشك؟
العقل هو الأمانة التي حملها الإنسان، والعقل هو الأساس، وهو قبل الوحي وقبل النصوص، وهو الأساس في التصديق برسالة الإسلام وفي الإيمان برسالة رسول الله، والدين لا يتعارض مع العقل، فأول أساس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلي، فالعقل أساس في فهم النص الشرعي، والعقل أصل والنص فرع. وبهذا العقل عرفنا الله قبل أن تكون هناك بعثة أو رسالة أو قرآن. ومهما توسّع الإنسان في اطّلاعه وإدراكه للاستزادة من الحقيقة فلا يصل إلى درجة الشكّ، وحتى إن وصل إلى هذه الدرجة فسرعان ما يعود لأنّها الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهي البوصلة التي توجّهه إلى الاتجاه الصحيح. فلا تعارض بموجب أحكام العقل بين العقل ومحتوى الفكر الديني، توجد بعض الأحكام التعبّدية، هذه نقبلها على علاتها غير قابلة للتعليل أو إحكام العقل مثل عدّة الطلاق وصلاة الصبح ركعتين والعشاء أربع ركعات ورمي الجمرات وغيرها. وأحمد الله أنّي أستخدم عقلي في الأمور القابلة للأخذ والعطاء، وأحكّم آيات الله (أفلا يتدبّرون) (أفلا يعقلون)، ولن أصل إلى مرحلة الشك طالما أنّ الأساس متين تُغَذي جيناته مساقي التوارث، وكان أبوهما صالحا.
** يرى المختلفون معك أنّك تخلط بين أمور شرعيّة كثيرة، وتُفَسّرها على غير وجهها دون معرفة واضحة بأصول الاستدلال.. ما هو ردك؟ وهل بالإمكان إيضاح مبدئك في مسألة التيسير في الشريعة؟
المنتقدون كُثُـْر وما من موضـوع كتبته إلاّ وَوجّهْتُ بسَيلٍ من الانتقادات والسِّبابْ والشتائم بل والدعاء عليّ وعلى أفراد أسرتي، ولو كان لهؤلاء وجهة نظر شرعيّة صحيحة لردّوا بالدليل القاطع وقارعوا الحجّة بالحجّة بدلاً من التهويش والاتكاء على عكاز العاجزين بأنّي غير شرعي أو أنّي غير ملتحي، ويتساءل البعض ساخراً عن مدى تمكّني الشرعي. هؤلاء المتشددون غيّبوا عمداً الوجه الآخر من الفقه وتمسّكوا بفكرهم واعتبروه أنّه هو الأصحّ، معتقدين أنّ كل ما تشدّدوا (تتقونوا)، أما مبدئي في مسألة التيسير أنّه طالما أنّ هناك قولا آخر فيه تسهيل وراحة للناس لماذا لا نأخذ به ونظهره. الإمام أحمد كان يفتي السائل ويدل على غيره ليفتيه في نفس المسألة بما يناسب مصلحته. وللسائل الحق في أن يأخذ بالفتوى التي تناسبه من غير تشديد أو تنكير، أمّا في وقتنا الحاضر قدّسنا الأسماء ورفعنا بعض الأشخاص إلى مرتبة لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه، نتشدّق بأنّ هذا هو ما قالته اللجنة الفلانية، وهذا ما قاله ذلك العالم الفلاني في رأيهم أنّه ملزم وأنّه مقدّس. في الإسلام لا قدسيّة لأحد من البشر إلاّ من اختصّه الله بذلك.


** اجتماعياً .. إلى أيّ مدى أصبحنا نتعامل مع قضايانا المهمة بمعايير مزدوجة وبشخصيّتين مختلفتين وسلوك متناقض؟
إلى أبعد الحدود، دخلنا موسوعة جينيس في هذا المضمار، اركب الطائرة وقبل أن تُقْلع انظر ماذا يحدث للعبايات السود، اذهب إلى دبي والبحرين والقاهرة وبيروت ترانا أكثر شعوب الأرض وروداً للسينما والملاهي والمقاهي. لا فرق بين أحدٍ وآخر كلّنا سواسية في هذا المضمار وبمجرّد أن نعود إلى أرض المطار يتغيّر كل شيء فينا، الرجال يخفون الفرحة ويرسمون القسوة، والنساء يلملن شعورهن ويفردن الملايات السود لتختفي تحتها الأبدان والرؤوس. ناهيك عما ندرّسه في مناهجنا وما يراه أولادنا على واقع الحياة وشريطها اليومي، نرسل أولادنا وبناتنا إلى الخارج في جامعات مختلطة ونمنع دخول الجامعات المحترمة إلى مدننا بحجة الاختلاط. أمور كثيرة في حياتنا نتعامل معها بشخصيّتين مزدوجتين لا نراها إلا في مجتمعنا الذي أُخضع لآراء البعض المتشددة، فكانت هذه الحالة النادرة، والتي استعصت على علماء النفس والاجتماع.



** من دفعنا إلى هذه الحالة من التشدّد في فهم الدّين؟ هل هم المسؤولون بمختلف مستوياتهم، أم وسائل الإعلام المحلّية، أم طبيعة ثقافة المجتمع، أم المناهج الدراسيّة؟
الذي أوصلنا إلى حالة التشدّد هذه في فهم الدين أولاً المناهج الدراسيّة وما حوته على كافّة المراحل. ففيها الكثير من الغثّ والتعنت والفكر الأحادي المتعصب. دعني أضرب لك مثلاً ابني في السنة الخامسة أتاني محتجاً قائلاً كيف تصلي في البيت، صلاتك غير جائزة لا بد من الذهاب إلى المسجد، ناقشته ولكن لم يقتنع وفرد أمامي كتابه المدرسي بأنّ صلاة المسجد واجبة، وهذا يعني أنّ صلاة المرء في بيته باطلة، وهذا خطأ كبير، كذلك، وهذه علّقت عليها سابقاً في صحفنا المحليّة، أنّ من تكشف وجهها دخلت النار وهذا كذب وافتراء فوجه المرأة ليس بعورة، إضافة إلى أمور أخرى كثيرة تجدها في بعض المناهج تحرّض على التشدّد والغلو. إضافةً إلى بعض المدرّسين الذين لديهم منهج خفيّ اكتوينا بناره وشاهدنا آثاره على الأرض تفجيراً ودماراً، ولا تنسى دور المخيّمات الصيّفية والرحلات المدرسيّة، وبعض الدعاة الذين لم يُقَصّروا في نشر ثقافة التشدد ونشر كره الآخر وتكفيره، باركهم بعض العلماء الذين كفروا وزندقوا كل مخالف لم يقل برأيهم. بصراحة من دفعنا إلى حالة التشدّد هذه المناهج الدراسيّة وبعض القائمين عليها والدّعاة الذين ركبوا (الموجة العوجة) فوجدوا أنّ الانخراط في الدعوة أفضل من لعب الكرة أو الوظيفة أو التجارة ووقف معهم بعض العلماء الذين شجّعوا هذا التشدد وباركوه.
** وهل هذا التناقض ناتج عن أن عقول الناس امتلأت بحشوات غير متجانسة، فأصابها عسر (فهم) لما يجري وما ينبغي أن يكون؟
نعم إذا امتلأت عقول الناس بحشوات غير متجانسة كالذي يحدث في واقعنا يصيبها ما يصيب المعدة إذا امتلأت بطعام لا يناسبها أو تناولت لبن سمك تمر هندي، وقد يسبب هذا تسمما يؤدي إلى الموت.



** حسناً.. لماذا يعتقد البعض أنّه يملك وحده الحقيقة ولا يعترف بإمكانية وجودها أو جزء منها لدى الآخر؟
ثقافة من يعتقد أنّه وحده يملك الحقيقة ظهرت أكثر وضوحاً عندما لم تجد المدارس الإسلامية الأخرى مكاناً في المسجد الحرام أو مسجد رسول الله، وعندما تسيّد الموقف الفكر الأوحد وأصبح هو السائد وأنّه صاحب الحقيقة، ظهر تَبَعاً لذلك من يظن أنّه يملك الحقيقة وحده لا يعترف إلاّ بما يراه صحيحاً في فكره، نفس الذي حدث في قرون الظلام عندما تسيّدت الكنيسة فأصبح الرهبان والقساوسة هم من يملكون الحقيقة وحدهم دون الآخرين، ولكنّ الإسلام لا يعرف هذه الروح، فالحقيقة ممكن أن يتوصّل إليها الحمّال والخبّاز، وصاحب القلم، فلا رهبانيّة أو كهنوتيّة في دين الإسلام.
** أثيرت مؤخّراً الكثير من النقاشات حول كيفيّة تعميق مفهوم الوطنيّة في العُقول والنفوس مقابل تنامي القبلية والمناطقية والإقليمية والمذهبيّة، كيف ترى سبل التصدي لمثل هذه القضايا؟

بالإسلام وحده وتعاليمه الواضحة "دعوها فإنّها منتنة" نستطيع أن نتصدّى لتنامي القبلية والمناطقية والإقليمية، وكذلك العقلاء من أبناء الوطن في نبذهم لمثل هذه الفروقات ومظاهرها، مع الوقوف ضد انتشار وسائلها أو تعميقها في نفوس الناشئة. فلا قنوات فضائية تُغذّي هذه الروح، ولا شاعر المليون الذي يُغَذّي القبلية والعنصرية ويتفاخر بالآباء والأجداد والفخوذ والسيقان. ولا لمزايين الإبل والغنم والتيوس، والأهم أن يتصدّى القضاة في المحاكم برفضهم لقبول دعاوى التفريق بين الزوجين بحجج واهية وبدعاوى الجاهلية وعدم كفاءة النسب رغم أنّ الإسلام حسمها بقوله تعالى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). كما زوّج الرسول عليه الصلاة والسلام الشريفات من قريش بـ (موالي) أو العكس، كما بارك زواج مؤذنه بلال وهو عبد حبشيّ من أخت عبد الرحمن بن عوف، وصورٌ غيرها كثير في الإسلام. الله ساوى بين الناس ومصدر التفاضل بينهم وضعه الله وليس قاضٍ أو عالم، هذا المعيار هو التقوى والعمل وليس غير ذلك من أنساب وأحساب وأموال، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، فهذه الأمور تأتي من اتّباع الإسلام الصحيح نأخذه من منبعه الأصلي ولكن الذي نراه هو العكس تماماً، إضافة إلى تركيز التعيينات في مناصب القُضاة ومجلس الشورى والمناصب القياديّة على فئة معيّنة يتوارثون المنصب ويؤثرون مناطقهم بالنصيب الأوفر من التنمية وميزانية الدولة.


** تساءلت ذات مقال، هل فرعون مات كافراً بعد أن نطق بالشهادة؟ ورد عليك الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء متعجّباً من تناقضك وطالبك بالتراجع عن هذا الرأي وأن لا تورّط نفسك في شيء لا تحسنه، أمَا تزال مصرّا على رأيك بأنّ نطق فرعون بالشهادة هو الحدّ بين كفره وإيمانه؟
عنونْتُ مقالي بسؤال "هل فرعون مات كافراً؟" وتتبعت بعض الوقائع التي حدثت زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، منها حادثة أسامة بن زيد وقتله المشرك الذي قال لا إله إلاّ الله، ووبخه رسول الله مرّات عديدة وكرّر عليه في كل مرة كيف لك بلا إله إلاّ الله. إضافةً إلى قوله لعمّهِ وهو على فراش الموت (قل يا عمّي لا إله إلاّ الله) وهو عليه الصلاة والسلام يعلَم أنّ عمّه ميّت وهو يريده أن ينطق بالشهادة لتكون لديه حجة يشفع بها أمام ربّه لعمّه يوم القيامة، كما أنّ رسول الله قام في مكة اثني عشر عاماً يدعو الناس إلى توحيد الله لم يقل لهم بصلاةٍ أو صوم وإنّما قول كلمة التوحيد. من هذا المنطلق فإنّ فرعون نطق بالشهادة وقال إنّي من المسلمين والله وحده هو من يقرر قبول هذه الشهادة أم لم لا فهذا علمه عند الله، فهو وحده من يملك مفاتيح الجنّة والنار وهو المتحكم في مصائر الخلائق أجمعين، فلا يأتي أيّ إنسان أيا كان ويحكم على هذا بالكفر والآخر بالإيمان وهذا مصيره الجنّة وهذا مقرّه النار. فرعون آمن وهذا رأيي وما زلت متمسكا به والنطق بالشهادة هو أساس الأساس والحدّ الفاصل بين الكفر والإيمان.
** تطالب بتحكيم العقل وعدم اتّباع أهواء المغرضين الذين أساؤوا إلى هذا الدين بجهلهم وتعنّتهم، لكنّك لم تُحدّد لنا من تقصد بالمغرضين الجهلة؟
كما قلت سابقاً العقل هو الأساس وبه عرفنا الله وهو الذي تفكّر به سيّدنا إبراهيم في ملكوت السموات والأرض ورأى القمر والشمس وقال في آخر المطاف لئن لم يهدني ربّي لأكونن من الضالين، فسيّدنا إبراهيم عرف ربه دون أن يخبره أحد بذلك وبدون وحي أو نص أو جبريل. فلا بد من تحكيم العقل وعدم اتباع أهواء المغرضين الذين أساؤوا إلى هذا الدين بجهلهم للنصوص أو تفسيرها بما يتناسب ومسألتهم أو لوي أعناق الآيات والأحاديث من أجل أن تصب في مصالحهم الخاصّة، يعتمدون على أحاديث ضعيفة أو غير صحيحة. دون النظر للراوي أو المتن أو أنّ هذا النصّ يوافق العقل أم لا. هذه الفئة هي موجودة بيننا وهي التي تشددت في موضوع الجهاد والولاء والبراء ومحاربة الآخر وتكفيره، والسلام على الكفار، حتى وصلت بعض الأمور التي ناقشوها إلى المضحكات مثل الذي طلع علينا يقول إنّه لا يجوز أن نملأ سياراتنا في أمريكا بالوقود المحتوي على الكحول لأنّ الحديث يقول لعن الله شاربها وحاملها وهذا الجاهل لم يفرّق بين السيارة غير المكلفة والإنسان المكلّف أو عن الاختلاط العارض وغير العارض إلى من حرّم الصلاة خلف إمام يجيز الغناء إلى من أباح قتل من قال بالاختلاط أو تلك الأضحوكة الكبرى بقتل الميكي ماوس وقتل ملاك الفضائيات، إلى مواضيع أخرى كثيرة اعتمدوا فيها على آرائهم الشخصية. أو عمدوا إلى أحاديث موضوعة وطبّقوها على مسائلهم دون أيّ دليل صحيح، وهؤلاء نعرفهم يقيناً وبسيماهم ونعرف أنّ آرائهم جعلتنا أضحوكة على فم الزمن.



** عندما كُشف عن فساد أحد القضاة في المدينة المنوّرة وقيامه باختلاس الملايين، ادعى أنّه مسحور وأنّ الجنّ تلبّسه وأنّه غير مسؤول عمّا يفعله، وشهد معه أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً إنّه سمع الجنّي الذي تلبّس القاضي، حول هذه المسرحيّة الفكاهيّة الساخرة التي احرجتنا أمام العالم.. ماذا يمكن أن يقال؟
يا سيّدي الهيئة وأعمالها في الوطن هي أكبر مسرحيّة يشهدها الجمهور، أعطني عملاً واحداً كانت فيه الهيئة غير مضحكة. المُطاردات ودخول المنازل وقصور الأفراح والجري وراء الخلق وفضحهم وعكس السير، وتمزيق الملابس وتقطيع الشعر، ويأتي من يقول لنا رجال الحسبة ليسوا ملائكة، طيّب هل نحن ملائكة؟ إذاً نحن كلنا بشر نخطئ ويستر الله وتأتي الهيئة لتفضح كل مستور، ألا يكفيك بياناتهم التي تقول هذا وتحرّياً لمبدأ الستر تم تسليم الفتاة لأهلها والشاب إلى قسم الشرطة، فأي ستر هذا. أمّا تمثيلية القاضي في المدينة المنوّرة واختلاسه الملايين وادعائه أنّه مسحور، فهذه من المآسي التي جعلتنا أضحوكة في نظر العالم، وهو أن فرّ من العقاب الدنيوي ووجد من يشهد له، فقد بشّرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أنّ مثل هؤلاء القضاة الفاسدين في النار وبئس المصير، فاثنان في النار وواحد في الجنّة حتّى ولو ركبه ستين جنّيا.
** تطالب بجعل المولد النبوي يوم عطلة رسميّة للدولة ومنح الموظّفين والطلاب إجازة بهذه المناسبة، إلى ماذا استندت في رأيك؟
اليوم الوطني للمملكة إجازَة بل كل الدول تحتفل باليوم الوطني وتجعله عيداً، كما أنّ بعض الدول تحتفل بعيد العُمّال وعيد الاستقلال وعيد الوحدة، وكلّ هذه أيّام أعياد وإجازات. ألا نحتفل بمولد سيّد الخلق أجمعين، أخرجنا من الظلمات إلى النور وجعل منّا خير أُمّة أُخْرِجَت للناس. وهدانا إلى عبادة الله وحده، حارب البدع والخرافات، فلماذا لا يكون هذا اليوم أيضاً إجازة وعيدا، كل العالم الإسلامي يفعل ذلك ونحن جزء من هذا العالم. بل نحن الأساس، فمن هنا كان المولد والنور والهداية، فلنجعله إجازة وهذا أضعف الإيمان.
** كيف يمكن تحقيق المزيد من الوسطيّة والاعتدال الديني في كثير من أمور حياتنا؟
تحقيق المزيد من الوسطيّة والاعتدال يتحقق بتعدّد المدارس الإسلاميّة المختلفة وإطلاقها على أرض الوطن والتحاور مع الآخر وتقبّل أفكاره، والإفساح للآخر أن يقول برأيه وإعطاء مساحة أكبر في حياتنا للتسامح
والمحبّة وأن يكون هناك حوار هادف بنّاء، والأهم أن نؤمن بفكرة الحوار.
** الصلاة ركن من أركان الإسلام، لكنّك ترى أنّ تارك الصلاة ليس بكافر، هلا أوضحت لنا وجهة نظرك؟
قد لا تعجب وجهة نظري البعض على اعتبارات عدّة ذكرتها في إجابة سابقة، ولكن أحيلك على اثنين من أصحاب المذاهب الإسلاميّة الكبرى في الإسلام الإمامين أحمد والشافعي.. "قال الشافعي لأحمد إذا كفرته بترك الصلاة وهو يقول لا إله إلاّ الله فبأي شيء يرجع إلى الإسلام، فقال الإمام أحمد بفعل الصلاة فقال الشافعي إن كان إسلامه يترتّب عليها - أيّ على الصلاة - فتكون واقعة في زمن الكفر فلا تصحّ، وإن لم يترتّب إسلامه عليها لم يدخل في الإسلام بها. فسَكَتَ الإمام أحمد"، ذلك لأنّ الكافر لا تصحّ منه الصلاة فكيف تأمره أن يدخل في الإسلام بأدائها؟ وجعل الصلاة وهي فرع من فروع العبادة والحَدُّ الفاصِلُ بين الكفر والإسلام فيه إهدار لحرمة الشهادة ونقصٌ لعظيم شأنها عند الله. فإذا كانت الصلاة فرعٌ من فروع العبادة والشهادة أصل فكيف ينقض الأصل بفرع من فروعه. كما أنّ النصوص الواردة في هذا المجال تؤكّد على ذلك، فالإمام أحمد يقول إنّ تارك الصلاة لا يكفر بل يفسق، وذلك إن تركها تكاسلاً معتقداً بوجوبها، وهو حال كثير من الناس اليوم. ثُمَّ أليس الكافر لا تجري عليه أحكام الإسلام من المناكحة والموارثة وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، هذه وجهة نظري وملخّصها أنّه لا ينقص أصل من أصول العبادة بفرعٍ من فروعها، ويا ليت من يعارض لمجرّد المعارضة أن يتعمّق في هذا الدين ليُدْلِي دلوه بحق بدلاً من التشنّج.
** قُلت أنّ الاستنساخ الذي حرّمه البعض أقرّه أبو حنيفة، والتعامل مع البنوك بكل أشكاله كان يقوم به الزبير بن العوام منذ عهد رسول الله من حفظ أموال الناس وتشغيلها، والرياضة النسائية المحرّمة وجدت لها أصلاً فعائشة رضي الله عنها كانت تسابق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، بين رأي يحرّم وآخر يُحلل يختار المسلم ماذا يصدق، وماذا يتبع؟
المسلم لديه كل الأقوال سواء من الكتاب أو السنة الفعليّة أو القوليّة لرسول الله صلى عليه وسلّم، وله أن يأخذ ما يشاء، ولكن لا يأتي أحد ويفرض آراءه على الآخرين ويلزمهم بها ويحاكمهم عليها ويغلق محلاّتهم ويطاردهم ويستخدم المنابر الإعلاميّة ومنابره الخاصّة في التشنيع على الآخرين وذمّهم وقدحهم. فعلى المسلم أن يتبع ما يناسب حاجته ويقضي مصلحته، فالإسلام إنّما يهدف إلى المحافظة على المصلحة، بل إنّ الإسلام كلّه مصالح.
** إلى أيّ مدى أصبحت المرأة في المجتمع السعودي ضحيّة صراع التيّارات؟
المرأة في المجتمع السعودي انسلخت عن المرأة في مجتمع المدينة نتيجة الآراء التي فرضها البعض عليها. وأصبحت ضحية لتيارات عدّة تتقاذفها هنا وهناك، محرّم عليها قيادة السيّارة، محرّم عليها العمل، محرّم عليها الخروج، يأتوا بالأحاديث الضعيفة وينزلوها على مواضيع المرأة ليحرّموا عليها سبل العيش الكريم. ولو تركت المرأة تسير سيرها الطبيعي كما كانت عليه في مجتمع المدينة لما وصلت إلى هذه المرحلة المزرية التي حرمتها من إنسانيتها إلاّ بوليّ أو وكيل.
** في تونس ثار الشعب فهرب الرئيس، وفي مصر احتج الشعب فتنحّى الرئيس، عطفاً على هذه الأمور، هل الديمقراطية هي الحل دائماً لتحقيق تطلّعات الشعوب؟
الديمقراطيّة هي أحد الحلول لتحقيق تطلّعات الشعوب، ولكن الديمقراطيّة وحدها لا تعمل خاصّة في دولنا الإسلاميّة أو العربيّة بالذات حيث يكون الانتخابات بنسبة 99,9%، فلا بدّ من تضافر عوامل أخرى في علاقة الحاكم بالمحكوم أساسها الشفافيّة والصراحة وتحقيق مبادئ العدل والمساواة.
** تطوّر المرأة السعوديّة ومساهمتها في دفع عجلة التنمية - كما تراه أنت - يرتبط ارتباطا وثيقاً بكشف وجهها، وتؤكّد أن القرآن الكريم لا يأمر بغطاء وجه النساء بقماش أسود، هل فعلاً غطاء الوجه يحول دون مشاركة المرأة في التنمية؟
بالتأكيد غطاء الوجه عادة قديمة معروفة حتى لدى الشعوب غير المسلمة وهي ليست عبادة. بل عادة أساسها الإباحة أحيا هذه العادة الدولة العثمانية بإيجاد السلاملك والحرملك واليمشك والحبرة وغيرها، وفرضوا على النساء غِطَاء الوجه لأجندة خاصة بهم. الأحداث النبوية ناهيك عن التاريخ والأحداث في دار الهجرة تؤكد أنّ المرأة المسلمة لا تعرف غطاء الوجه في سوقها وعملها ومسجدها وفي الشارع وفي السلم والحرب. كيف تغطّي وجهها الذي هو أساس هويّتها وعنوانها وتعمل وعليها غطاء كثيف يعرقل حركتها ومساهمتها، ولو أراد الله أن يغطي وجوه النساء لأمر به في قرآنه أو لقالها رسول الله لمن كانت تقاتل دونه في غزوة أُحد أو لرفيدة وهي تعالج الرجال والنسـاء في خيمتها أو لغيرها، هذه بدعة استحدثناها، لدينا نساء متعلّمات قابعات في المنازل وملأن مدننا بالأجانب، والحُجّة أن المرأة لا يجوز لها أن تكشف وجهها، في حين أن يوسف الأحمد يحتسب على عملها (!!).
** حالات الانتحار ترتفع في المملكة وتبرر بأعذار نفسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة، في رأيك لماذا تتزايد هذه الحالات في مجتمع مسلم يُحَرّم قتل النفس؟
هذه حقيقة.. فكَلُّ فعلٍ أو جريمة في المجتمع وحتّى نحافظ على خصوصيّته المزعومة نزعُم بأنّ مردّها نفسي أو اجتماعي، وفي الحقيقة خُلق الإنسان ضعيفا، والجوع كافر مع غياب الوازع الديني الصحيح من نفوس الناشئة، إضافة إلى البطالة وعدم القدرة على الزواج والاستقرار. كل هذه عوامل تؤدي إلى اليأس والاكتئاب وهو من أشد العوامل التي تؤثّر على النفس البشريّة وتؤدي بها إلى الانتحار. إضافة إلى أننا لا نعترف بالطب النفسي وإن وجد فسعره غال والأنكى أنّ التأمين لا يتعامل معه والأهل يخشون منه ويرهبون منعاً للقيل والقال.
** تمنّيت على الشيخ عائض القرني أن يثبت على بعض أقواله ولا يتراجع عنها، كما تمنّيت على مشايخ آخرين أن يتركوا الأمور الخلافيّة التي يفتعلونها وينتبهوا لمشاكل المجتمع الحقيقية، والسؤال هو: ما هي المشاكل الحقيقية التي تريدهم أن يلتفّوا لها؟
من يدّعي العِلم ويضع نفسه في مرتبة العلماء وأنّه وريث الأنبياء، يجب أن يقف دون رأيه في الحياة مجاهداً، سمعت الشيخ القرني وهو يُفتي في أمور عدّة منها كشف الوجه وأمام طغيان المؤسسة الدينية تراجع عن أقواله. كل عاقل في المجتمع يريد من العلماء أن يلتفتوا إلى مشاكل البطالة والفراغ وانتشار المخدّرات ومعالجة قضايا الطلاق والترغيب في استمرار الحياة الزوجية، وإلى ترسية القواعد الإسلاميّة في التربية الصحيحة للجيل وإلى محاربة الإرهاب واستئصال أسبابه والدعوة إلى الوسطيّة والاعتدال، فالعلماء لهم أثر كبير في المجتمع ولهم وقع في النفوس كبير، نحن في حاجة إليهم بعيداً عن الأمور الخلافيّة في العبادات أو أمور الدنيا مثل قيادة السيّارة أو كشف الوجه أو عمل كاشيرة أو خروجها بمحرم للدراسة أو تحليل المسيار وخلافه، مشاكلنا الحقيقية كثيرة، ولعلّ العلماء يقع عليهم دور كبير، ليتهم يجتمعوا لأجل المشاكل الحقيقية لا لعمل المرأة كاشيرة؟
** الإرهابيون يفجرون أنفسهم ويقتلون الأبرياء والنساء والأطفال جهاراً نهاراً .. هؤلاء يراهم قلة من المشايخ أنّهم ليسوا من أهل النار، كيف ترى مثل هذه المسألة؟
لا أعتقد أنّ عالما حقيقيا ينتمي إلى طبقة العلماء يقول إنّ من يقتل نفسه ليفجّر الآخرين من الأطفال والنساء حتى لو كانوا من غير أهل الإسلام ليس من أهل النار، هذا قول باطل، ومن يقول بمثل هذا الكلام فهو مخالف لحقيقة شرع الله، لكن الشيخ الفوزان حفظه الله أفتى في جريدة الاقتصادية بتحريم من يفعل وتجريمه بأنّه من أهل النار، ومن يقول بغير هذا فليس بعالم وإنّما هو متعالم يرمي إلى مناصب دنيوية.
** يَمْلِكُ السعوديون عدداً من القنوات الفضائية المؤثرة المنتشرة خارج المملكة والتي تبثُّ مختلف البرامج والأفلام والمسلسلات، فهل تحوّلت إلى "رجسٌ مِن عَملِ الشيطَان" كما يقول بعض المشايخ؟
ليست كُلّها رجسٌ من عمل الشيطان، هذه قنوات نَفْعُهَا أكثر من ضررها، فهي لغة التواصل العالمي الحديثة التي تنقل إلينا ما يجري وما يدور من حولنا. كل شيء في هذه الحياة له مساوئ وإيجابيات، فلنأخذ من هذه الفضائيات أحسن ما فيها. ولا أدري لماذا هؤلاء المشايخ يشاهدون هذه الفضائيات في أيديهم الريموت كونترول يمكنهم أن يتحوّلوا إلى غيرها ففضاء الله واسع.
** يُعَدُّ الأثرياء ورجال الأعمال السعوديون من أغنى الأغنياء في العالم، لكن لا نجد لهم مساهمة فاعلة في إنشاء مشاريع اجتماعية تساعد على تنمية وتطوّر المجتمع، ما السبب في رأيك؟
للوطن حق معلوم على هؤلاء الذين أعطاهم الكثير وسهّلَ لهم الطريق ولكن مع الأسف عندما تضخّموا تنكّروا للوطن وذهبوا بخيره بعيداً. أمّا السبب في رأيي فهو عدم وجود ولاء ومحبة أو الشعور بعدم الانتماء وهو شعور محزن، هناك من يحارب الوطن ويزرع كره برفضه تحيّة علمه أو القيام له في النشيد الوطني إضافة إلى أنّ المواد التي تُدرّس في كافّة المراحل تخلوا من دروس الوطنيّة الحقّة، حتى هذه تدخّلوا فيها وأجروا عليها مقاييسهم الخاصّة بالحلال والحرام. الوطن كبير لا بد أن ننقش حبه في النفوس وهذا لا يتأتّى إلاّ بالتعليم في الصِّغر، وتضخيمه لدى الناشئة.
** تنتقد مؤسسات حقوق الإنسان الدولية بعض الممارسات كتفريق الزوجين لعدم تكافؤ النسب والعضل وغيرها، كيف يمكن إيضاح مثل هذه الأمور للآخرين؟
هذا عفن ووخم لصق في بعض العقول مع الأسف الشديد، إنه من أمور الجاهلية التي أبطلها الإسلام والحد من مثل هذه الأمور أنّى يتأتّى من قبل بعض القضاة في رفضهم لقبول مثل هذه الدعاوى، فمن المفترض أنّ يرفضوها من أساسها ولا يقبلوا بها لا أن يكونوا عاملا مساعدا على فعل مثل هذه الأمور، ولهم في رسول الله أسوة حسنة، أذكر في جريدة الوطن أنّ القاضي في المحكمة الكبرى في الرياض الدكتور إبراهيم الخضيري قال إنّ من شروط الزواج الكفاءة في النسب وهذا الشرط حقٌ للقبيلة كلها. نسي مثل هذا القاضي أنّه ليس بعد الإسلام علّة للتفاخر بالأنساب، ويقول رسول الله (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوّجوه) ولم يذكر لا حسب ولا نسب، إنّ ما يحدث ضد هذا الدين وتعاليمه، وننتظر من وليّ أمر هذا الوطن أن يتدخّل لحسم هذا الأمر وإلزام المحاكم بعدم قبول مثل هذه القضايا وإن كره القضاء.
** هل فعلاً أنّ صيام الستة من شوّال بدعة كما تراه أنت؟
بل حتى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) رآه بدعة ومن أراد أن يتأكّد فعليه أن يرجع ليرى. أمور العبادة لا تؤخذ بالذراع علاوة على أن ليس كل حديث حتى ولو كان في الصحاح يؤخذ به، فراوي هذا الحديث سيئ الحفظ ضعيف جداً في مرتبة الرواة، كما أنّ رسول الله نفسه لم يصم هذه الأيام فلا يحث على عبادة هو لم يفعلها، فلم يذكر لنا أحدٌ من زوجاته أو أصحابه أنّه صامها، علاوة على أنّ الناس نسوا فرحة العيد فأقفلوا أبوابهم وناموا نهارهم بحجة أنّهم صائمون. يقول السيوطي الحكمة في النهي عن الصوم أن لا يختلط صوم الفرض بصوم نفل قبله أو بعده حذراً مما وُصِفَتْ به النصارى في الزيادة على ما افترض عليهم برأيهم الفاسد فهو إذاً بدعة.
** اكتوى المواطنون بنار ارتفاع الأسعار التي يمارسها بعض التجّار، هل ترى أنّ مقاطعة التجّار الجشعين مبدأ إسلامي لا بد أن يطبق حتى تعود الأسعار لوضعها الطبيعي؟
السوق يخضع لقانون العرض والطلب أولاً، وثانياً هناك وزارة تجارة تتبعها هيئة حماية المستهلك لها وزير وموظّفون تقع تحت مسؤوليتهم مراقبة الأسعار والإعلان عن المخالفين. ولا أدري من قال إنّ المقاطعة مبدأ إسلامي، إنّها مبدأ بشري وضعه مجتهد الغرض منه اللغو والعبث غير المجدي. جاء ناس إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام طالبين منه الحد من أسعار التجّار فرفض التدخّل في ذلك ونحن نأخذ شرعنا من الله ورسوله. وارجعوا إلى قصّة حاطب بن أبي بلتعة وعمر بن الخطّاب لتعرفوا عن الأمر ليس مبدأ إسلامي.
** تقول إنّ خلق الجنة والنار لم يتم حتى الآن، ألا ترى أنّ هذا الطرح مختلف وغريب وشاذ؟
كتاب الله كتاب كبير فيه من الأسرار ما لم نعرفها بعد. فقد سبقني إلى هذا القول صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فسألوا هل الجنة والنار مخلوقتان موجودتان؟ لقد اختلف الناس في هذه المسألة على مدرستين، الأولى وتزعّمها ابن حزم وابن القيّم ومفادها أنّ الجنّة والنار مخلوقتان موجودتان واستدلّوا على ذلك بحشد من الآيات مثل قوله تعالى (أعدت للمتقين) في حق الجنّة وقوله تعالى (أعدّت للكافرين) في حق النار، وظاهر المعنى أنّ ما يقتضيه فعل الإعداد أنّهما موجودتان ومهيأتان لأصحابها. ولكن هذا الاستدلال ينخرم بحشد آخر من آيات أخرى معارضة في مثل قوله تعالى (ونادى أصحابُ النار أصحابَ الجنَّة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إنّ الله حرّمها على الكافرين). مع أنّ هؤلاء وهؤلاء من أهل الجنّة والنار لا يزالون في قبورهم التي في هذه الحياة الدنيا، بل بعضهم لا يزال على قيد هذه الحياة وبعضاً منهم لم يولد بعد. ويعترض القول بأنّ الجنّة والنار الآن مخلوقتان استدلال عقلي مستمد من صفات الله سبحانه وتعالى وحكمة قضائه وتصريفه لمخلوقاته ولملكوته. ذلك لأنّ القول بأنّ الجنّة والنار الآن مخلوقتان يقتضي أن الله سبحانه وتعالى خلقهما وأبقاهما طيلة ملايين السنين لم (يعتريهما) أي لم يتم استيفاء لمنافعها التي خلقها الله لعباده المؤمنين، وهذا في الحقيقة مناقض للحكمة التي تتصف بها أفعال الله سبحانه وتعالى. أضف إلى ذلك أنّهما - أيّ الجنة والنار- على فرض أنّهما موجودتان الآن، فإنّه سوف يجري عليهما الفناء قبل يوم القيامة. كما قال تعالى (كل من عليها فان)، فيكون المحصّلة النهائية أنّ الله سبحانه وتعالى خلقهما وأوجدهما طيلة هذه السنين الطويلة ثم أفناهما ثم يعيد خلقهما يوم القيامة. وهذا ينافي ما يتصف به الله سبحانه وتعالى من الحكمة. إذاً فالجنّة والنار الآن ليستا مخلوقتين الآن لأنّه لا توجد على هذه الأرض نقطة صغرت أم كبرت بعدت أم قربت إلا وهي مرصودة معلومة عن طريق الأقمار الصناعيّة الهائلة التي تجوب الفضاء على مسارات ودروب مختلفة. والأدلّة على أنّ الجنة والنار والحساب وكل ذلك إنما يكون هذه الأرض بحشد آخر من الآيات مثل قوله تعالى (وأشرقت الأرض بنور ربها) وقوله تعالى (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنّة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) وقوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض) وقوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون) وقوله تعالى (يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير). أوردت هذا كدليل من ألوف الأدلّة على عظمة هذا الكتاب الذي أنزله الله على عبده محمد عليه الصلاة والسلام وأنّه ليس مجرّد ورقات نمر عليها، إذ لا بد أن نتعمّق في كلماته وجمله ونعرف ما تحمله من حقائق وأحداث ومسيرة الكون والتكوين. ما فرّط الله فيه من شيء كل ما نحتاج إليه وكل الظواهر التي تحيط بنا موجودة بين دفّتيه لا نهاية لأسراره ولا حدود لمعجزاته، أنزله الله وحفظه بأمره، فوجب علينا كمسلمين أن نفهم معانيه ومضامينه بتمعن وتدبر. وأن نتعمّق في أسراره وننبش في خباياه وسنجد فيه الكثير مما أغلق علينا فهمه وكلّما تعمّقنا تعلّمنا. والمطلوب أن لا نقف عند تفاسير الأولين، فهذا ما وصل إليه حدود فهمهم ومنتهى علمهم، وأن نشجع كل دارس وباحث لا نتهمه بالكفر والزندقة، ففي هذا الكتاب العظيم أسرار لم نفكها بعد.
** اختلفت مع بعض المشايخ حول مفهوم الاختلاط بين النساء والرجال، وترى أنّ الإسلام لم يحرّمه، ولم يقل بوضع حواجز وصبّات إسمنتية وحجز النساء خلفها كما هو حاصل اليوم، فما هو فهمك له؟
الاختلاط مصطلح جديد مستحدث لا أساس له في الدين، لم نجده على الأرض فاخترعناه، قرأنا التاريخ الإسلامي منذ بدايته وحتّى القرون الثلاثة الأولى ولم نجد أنّ المجتمع عندهم كان منقسماً إلى اثنين، رجال ونساء، كانت الحياة تمشي بهم جميعاً هادئة مطمئنة كلٌ ميسّر لما خُلق له، يعملون ويزرعون ويحصدون ويفهمون ويخرجون في الأعياد والمناسبات والأفراح وفي الصلوات والحروب ودروس المسجد مع بعضهم البعض دون حواجز أو صبّات إسمنتية أو أدوار عليا خاصّة بالنساء في بدعة مستحدثة لا تجدها إلاّ في السعوديّة ليس لها أساس في الدين وإنما أوجدها البعض بدعوى الخصوصيّة. لا يوجد اختلاط تحت أيّ مفهوم وإنما هناك خلوة وهذه حرّمها الإسلام أمّا الاختلاط فهو وهم من تخيّلنا لمنافع خاصّة وتشدد مقيت.
** ماذا تقول لهؤلاء:
- وزير العمل: أعانك الله فأنت في بحرٍ لجّي.
- وزير التربية والتعليم: ما زال التعليم قاصراً لدينا لا يلبي احتياجاتنا المستقبليّة، إنه حفظ لكلام قديم لا يودّي ولا يجيبب.
- رؤساء التحرير السعوديون: تعيشون عصر الشفافية والوضوح فلا تكونوا كالتي نقضت غزلها بعد قوة انكاسا.
- مفتي عام المملكة: حث المجتمع على مكارم الأخلاق وتوجيه النشء على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وتذكير الجميع بالأمانة الملقاة على عواتقهم.
- مديرو الجامعات: نريد أن نرى جامعاتنا وقد احتلّت مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية وأن تشارك في البحث العلمي الجاد، يكفي شرعيّة واجتماعيّات.
- الشيخ محمد العريفي: نجم من نجوم الفضائيات.
- الشيخ يوسف الأحمد: اتركوه يحتسب لا تسألوه عن السبب.
- الشيخ سلمان العودة: نموذج مفرح للتيسير والوسطيّة والاعتدال.
- الفنان محمد عبده: أحَبّ فنّه بصدق فأتقنه فبادلناه الحب بالحب.
- رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: لا حياة لمن تنادي هدى الله المحتسبين وكان في عونك.
** تبشّر أنه إذا ما تمّ نشر ثقافة السينما وإنشاء دور العرض، بأنّ ذلك سيخفف من نسبة الاعتداء على الأعراض، ويقلل تصفّح المواقع الإباحيّة، ويحد من الاتصالات المشبوهة والإدمان على التدخين والاكتئاب.. كيف يمكن أن تحقق السينما كل ذلك؟
الفراغ والبطالة هما آفة الشباب في أيّ مجتمع، شبابنا مطارد من قبل رجال الحسبة الذين لا همّ لهم في المجتمع إلا اصطياد الشباب ومضايقتهم، وفرض شروط ما أنزل الله بها من سلطان، فهم مطاردون في الأسواق والمطاعم والمنتزهات والشوارع، فليس هناك ما يلم هؤلاء الشباب إلا السينما بروعتها وقصصها، فمن المؤكد أنّها ستجذب شريحة كبيرة من الشباب لتحافظ عليهم وتقتل وقت فراغهم، إضافة إلى إيجاد فرص عمل كبيرة لهؤلاء الشباب. بعدين لماذا نحن غير؟ أليست صناعة السينما صناعة عالمية. هذه أحد المتناقضات التي نعيشها في كل بيت ومقهى، شاشة تعرض الغث والسمين ونرفض أن تكون دور سينما تحت مراقبة الدولة لتعرض ما يفيد.
** ما هو السبيل للحاق بركب التنمية والحضارة في عالم اليوم المتسارع الخطى؟
بالعلم واكتساب المعرفة وإدخال الجامعات الأجنبيّة إلى المملكة والتشجيع على إنشاء المدارس العالمية وتعليم اللغة الإنجليزية في مدارسنا منذ المرحلة الابتدائية، وتشجيع الاختراعات والمساعدة على البحث العلمي ومنع كل من يريد الوقوف أمام تقدمنا بحجّة الحرام والحلال.
** تمرّ المملكة بحراك اقتصادي كبير، وتشهد بناء وتنمية وتشييد مشاريع عملاقة، كيف يمكن أن نفتح من خلال هذا الحراك نوافذ عمل للشباب السعودي العاطل عن العمل؟
لو اعتمدنا على القطاع الخاص الذي يسهم في عملية التنمية والبناء في انخراط الشباب السعودي بشقّيه الأنثى والذكر في الوظائف المختلفة والتي تأتي مع هذه المشاريع، لما تم توظيف ولا سعودي، لأنّ هؤلاء يعتمدون على العمالة الأجنبيّة ليس لديهم استعداد للتعامل مع السعودي حتى ولو كان يحمل أكبر الشهادات. فتح نوافذ العمل لا بدّ أن تتم بقوّة ونفوذ وإلزام وليّ أمر الوطن لأنّ الشدّة والحزم واجبة في مثل هذه الحالات ومع بعض هؤلاء الناس.
** عندما نمزج العقيدة بالخرافة والعادات والتقاليد.. تتحوّل إلى ماذا؟
تتحوّل إلى تخلّف.
** من أين يبدأ الحوار والنقاش وصولاً للإقناع؟
يبدأ من عند كل نفس لديها القابليّة والاقتناع للحوار والنقاش.
** عزلة المجتمعات.. إلى أيّ مدى تباعد المسافات وتزيد الأوهام؟
عزلة المجتمعات تجعل من المسافات كبعد المشرق عن المغرب، وتجعل من الوهم أوهاماً.
** ما هي المعركة الحقيقية للمسلم اليوم؟
المعركة الحقيقية للمسلم اليوم تنقية الدين من أوهام وأكاذيب الرواة.
** هل أنت راضٍ عن نفسك؟
الحمد لله كلّ الرضى.
** ما هو القرار الذي ندمت عليه كثيراً؟
دراستي للعلوم السياسيّة في أمريكا.
** متى تصبر؟ ومتى تغضب؟ ومتى تفرح؟
الحياة كلّها صبر، أغضب عندما يتشدد الآخرون، أفرح مع الفرحان وأبكي مع الباكين.
** أين يقف طموحك؟
عند إحساسي بالجفاف في مشاعري وعواطفي.