بحث متكامل حول علم المواريث على هيئة حلقات حتى لا يكون طول الموضوع مملا
ومر فق في نهاية البحث ان شاء الله اكثر من برنامج لحساب المواريث
البحث للدكتور : احمد محمد محي الدين
الحمد لله ، قدَّر المواريث في كتابه ، فأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه . وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، فرض المواريث بعلمه ، وقسَّمها بين أهلها بحسب ما تقتضيه حكمته .?وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، أمر بتنفيذ المواريث وفق ما شرعه ربُّه . صلى الله?عليه وعلى آله وصحبه وحزبه .
وبعــد : فقد استعنتُ بالله تعالى على تأليف كتاب في علم الفرائض ، أتعرَّض فيه لأهمّ المباحث الفرضيَّة ، موضِّحاً ذلك بحلّ جملة من المسائل الحسابيّة?، مع التزامي بالاختصار ، والبُعد ـ ما أمكن ـ عن الأمور الخلافيَّة ، راجياً مولاي جلّ وعلا أن يتقبَّله بقبول حسن ، وأن ينفع به طلبة العلم ، وأن يجعله في موازين حسناتي يوم ألقاه . إنَّه بالإجابة جدير ، وكلّ مستصعبٍ عليه يسير .
وقد قسمته إلى مقدِّمات ، ومباحث .
المقدمة:
أولاً ـ نبذة موجزة عن مشروعية الإرث في الإسلام
فرض الله جلّ وعلا المواريث بحكمته وعلمه ، وقسمها بين أهلها أحسن قسم وأتمَّه ؛ فجاءت آيات المواريث شاملةً لكلّ ما يُمكن وقوعه .
وكذا رسوله r بيَّن ما أُنزل إليه من ربِّه أتمَّ بيان ، وأمر بإلحاق الفرائض بأهلها ، سواء منهم الإناث والذكران .
وقد كان أهل الجاهلية في جاهليتهم لا يُورّثون النساء ولا الصبيان ، فأبطل الله حكمهم المبني على الجهل والطغيان ، وجعل الإناث يُشاركن الذكور بحسب ما تقتضيه حاجتهنّ ؛ فجعل للمرأة نصف ما للرجل من جنسها دون زيادة ولا نقصان ، ولم يحرمها كما فعل أهل الجاهلية ، ولا سوَّاها بالرجل كما فعل بعض من انحرف عن مقتضى العقل والفطرة السوية ؛ فقال عزّ من قائل : ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيُّهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إنَّ الله كان عليماً حكيماً( [النساء : 11] ، وقال في آية أُخرى : ) وصيةً من الله والله عليم حليم * تلك حدود الله ومن يُطع الله ورسوله يُدخله جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهين ( [النساء : 12-14] ، وقال في آية ثالثة : ) يُبيِّن الله لكم أن تضلُّوا والله بكلّ شيءٍ عليمٌ( [النساء : 176] .
" فبيَّن الله تعالى أنَّه فرض المواريث بحسب علمه وما تقتضيه حكمته ، وأنَّ ذلك فرضٌ منه لازمٌ لا يحلّ تجاوزه ولا النقص منه ، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشّى فيها على ما حدَّه وفرضه جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالداً فيها مع الذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين ، وتوعَّد من خالفه وتعدَّى حدوده بأن يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهينٌ . كما امتنّ بفضله علينا بالبيان التامّ حتى لا نضلّ ولا نهلك ، فلله الحمد رب العالمين " .
فالشريعة الإسلامية ـ إذاً ـ قد وضعت نظام التوريث على أحسن النظم المالية . والقرآن الكريم بيَّن أحكـام المواريث ، وأحوال كلّ وارث بياناً شاملاً شافياً ، لا يدع مجالاً لأحدٍ من البشر أن يقسم أو يُحدِّد شيئاً من ذلك .
ثانياً ـ حكمة مشروعية الإرث
الإنسان في هذه الحياة أكرم مخلوقاتها ، وهو مستخلف في الأرض ، ومحتاج إلى ما يضمن له بقاء هذا الاستخلاف .
والمال وسيلة لتحقيق ذلك ، يحتاج إليه الإنسان ما دام على قيد الحياة ، فإذا مات انقطعت حاجتـه ، فكـان من الضروري أن يخلفه في ماله مالكٌ جديدٌ . فلو جُعل ذلك المالك الجديد أولَ شخص يحوز المال ويستولي عليه ، لأدَّى هذا إلى التشاحن والتنازع بين الناس ، وتغدو الملكية حينها تابعة للقوة والبطش .
من أجـل ذلك جعلت الشريعة المالَ لأقارب الميت ، كي يطمئنّ الناس على مصير أموالهم ؛ إذ هم مجبولون على إيصال النفع لمن تربطهم بهم رابطة قوية من قرابة أو سبب .
فـإذا مات الشخص ، وترك مالاً ، فإنّ الإسلام يجعل هذا المال مقسَّماً على قرابته ؛ الأقرب فالأقرب ، ممن يُعتبر شخصه امتداداً في الوجود لشخص الميت ؛ كالأولاد ، والأب ، ومن يليهما في درجة القرابة .