قوقل يُذَكِّرُ
قادني الفضول إلى النظر في عدد الخطوات التي مشيتها في عام -حيث أن برامج تتبع المشي تحسب لك عدد الخطوات في اليوم و الاسبوع و الشهر و السنة- فذهلت عندما وجدت الرقم مليونيا، و هو شيء طبيعي لمن كان يمشي أكثر من ثلاثة آلاف خطوة في اليوم. الذي أذهلني ليس عدد الخطوات بل هو غفلتي عن هذه النعمة التي أتقلب فيها صباح مساء. أكثر من مليون خطوة حرم منها المشلول و المقعد و المريض. أكثر من مليون خطوة مضت لا أعلم هل كانت في خير أم في شر، و إن كنت و الحمد لله لا أتعمد المشي بها إلى حرام و لكن الخوف من خطوة غفلت عنها و الله لم يغفل عنها. أكثر من مليون خطوة أرجو أن أكون مشيت بها إلى صلاة و زيارة مريض و كسب طيب. أكثر من مليون خطوة أرجو أن أكون فيها بين الخوف و الرجاء متمثلا قول معن بن أوس:

لَعَمْرُكَ مَا أهْوَيْتُ كَفَّي لِرَيبَةٍ
وَلاَ حَمَلَتْنِي نَحْوَ فَاحِشَةٍ رِجْلِي

وَلاَ قَادَنِي سَمْعِي وَلاَ بَصَرِي لَهَا
وَلاَ دَلَّنِي رَأيِي عَلَيْهَا وَلاَعَقْلِي

وَأعْلَمُ أنِّي لَمْ تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ
مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا قَدْ أصَابَتْ فَتًى قَبْلِي

وَلَسْتُ بِمَاشٍ مَا حَيِيتُ لِمُنْكَرٍ
مِنَ الأمْرِ لاَ يَمْشِي إلَى مِثْلِهِ مِثْلِي

وَلاَ مُؤثِراً نَفْسِي عَلَى ذِي قَرَابَةٍ
وَأُوثِرُ ضَيْفِي مَا أقَامَ عَلَى أهْلِي.
تذكرت أن خرائط قوقل ترسل بشكل دوري الأماكن التي زرتها من قبل فإذا هي تخبرني بالتاريخ و الوقت بدقة متناهية، ثم تذكرت أن سجل متصفح شبكة الإنترنت يحتفظ بسجل كل المواقع التي زرتها و لو قبل سنوات فتذكرت قول الله تعالى:(هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) و قوله تعالى:( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ).
ينبغي للمرء يعلم أن كل شيء يعمله مسجل سواء خيرا أم شرا و لا يغرنه نسيانه لما اقترف من ذي قبل فلأن نسي فإن الوضع في الآخرة يختلف (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ).
اسأل الله أن يلطف بنا و يغفر ذنوبنا و يستر عيوبنا.
إلى اللقاء