حكي أن الاسكندر المقدوني قال لوالدته و هو يحتضر: يا أماه، إن حياتي كانت غير الناس و أريد أن يكون مأتمي غير الناس، فإذا أنا مت، فابعثي في المملكة أن لا يأتين إلا من لم يدخل بيته حزن من قبل، فنفذت وصيته بعد موته و انتظرت الناس ليعزوها في إبنها و لكن أحدا لم يأت. سألت حاشيتها عن سبب غياب الناس إذ كيف لم يحضروا مأتم ابنها، فقالوا: لقد طلبت أن لا يأتيك الا من لم يصب بمصيبه، و كل الناس قد أصيبوا بمصائب. أدركت الأم ماذا كان يقصد ابنها فقالت: لقد أحسنت عزائي فيك حيا و ميتا.
لقد فجعنا قبل أيام بفقدان فتى من فتياننا بكت لفقده عيون الأباعد قبل الأقارب فنسأل الله له المغفرة و لنا و لأهله الصبر و السلوان و لأن كان فقد رجل سبعينيٍ أو ثمانينيٍ- قد أضناه المرض- صعب على النفس لأنه إما أب أو خال أو عم أو جد فإن فقدان الشباب له وقعه الخاص و فاجعته تكون كبيرة حيث يأتي غالبا فجأة و بدون مقدمات لشباب يتدفق حيوية و نشاطا و آمالا و لذلك فقد جعلت اتأمل آمال هؤلاء الشباب الذين فقدناهم و إذا بهم كانوا يؤملون آمالا كثيرة من وظيفة و زواج و بيت و أولاد و سفر وبهجة ثم لم تلبث هذه الآمال أن تلاشت بنزول القدر و إنقطاع هذه التطلعات فوجدتني أصيح بأعلى صوتييا شباب اتعظو
يا شباب اتعظو فالموت يأتي فجأة بدون مقدمات، يا شباب اتعظو فإني رأيت كبار السن بيننا قليل فأدركت أن الذين ماتوا و هم شباب أكثر، يا شباب اتعظو فإن الحياة مهما طالت فهي قصيرة مقارنة بالدار الآخرة. يا شباب اسمعوها من مخلص صادق لكم، كلوا و اشربوا و استمتعوا و سافروا و لكن لا تتركوا الصلاة لا تتجرؤا على المعاصي بحجة إمكانية التوبة فيما بعد كونوا عونا لبعض في الطاعة فإن الصاحب ساحب و لا تهونوا على بعض الوقوع في المعاصي و تذكروا أن نعم الله علينا كثيرة و الذي طلب منا مقابله قليل اسأل الله لي و لكم الهداية والثبات
هو الموت ما منه ملاذ و مهـــــــــرب = متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالا و نرجو نتاجـــــــــــــــــها = لعل الردى مما نرجيــــــــه أقرب
و نبني القصور المشمخرات في الهوا = و في علمنا أنا نموت و تخـــــرب
إلى اللقاء