عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه
كنت اتأمل حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه و أبحث عن عامل مشترك بينهم فوجدتهم جميعا عملوا أعمالا ضد رغبات أنفسهم الشديدة و تغلبوا عليها فنالوا شرف ظل الرحمن الرحيم.
فالملك يميل إلى الجور و الظلم حيث لا أحد يحاسبه و لكن عندما يعدل فإنما هو بسبب خوف الله عز وجل.
و الشباب بحيويته و مرحه يدعو إلى اللهو و اتباع الشهوات و الرغبات، و عندما ينشأ الشاب في طاعة الله فإنما فعل ذلك بعد كبح جماح رغبة عارمة من الانفلات و الانغماس في اللذات و ( يعجب ربك من شاب ليس له صبوه) فاستحق هو ايضا بفضل الله الدخول في الرحمة.
الإنسان جبل على حب الدنيا و على جمع المال و الإهتمام بالزوجة و الولد و لكن أن يتعلق قلب الإنسان بالمساجد فإن ذلك يدل على أنه استطاع التغلب على ما لا يستطيعه كثير من الناس فنال الشرف أيضا بفضل الله.
يجتمع الناس - في أغلب الأوقات- على مصالح مشتركة إما مادية أو بسبب نسب أو رحم و غالبا ما تنقطع هذه العلاقات بانقطاع أسبابها و قد يشوبها ما يشوبها إن كانت بسبب الرحم، لكن أن يجتمع رجلان و يتحابان بدون وجود مصالح دنيوية بينهما و إنما بسبب الحب في الرحمن فهو دليل على التجرد من حب الدنيا و في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَقَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . فَقَالَ : هَلْ لَهُ عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قَالَ : لا ، إِلا أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ . قَالَ : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ)
و الميل إلى النساء الجميلات شيء فطري لدى كل الرجال فكيف إذا اجتمع معها أنها كانت ذات منصب و هي التي دعته فتجتمع هنا الرغبة من حيث الجمال و الرهبة من حيث أنها ذات منصب و قد دعته فالذي يسيطر على هذه الرغبة و هذه الرهبه و يقول إني أخاف الله يستحق-بفضل الله- أن ينال الشرف بالدخول تحت ظل الرحمن.
و حب الذكر و المدح خصلة خفية في النفوس و قد كان العرب يتباهون بالبذل و الكرم مع عدم إيمانهم فحاتم الطائي يخاطب إمرأته فيقول:
أماوي إن المال غاد و رائح = و يبقى من المال الأحاديث و الذكر
فهو يؤكد أن الذكر هدف من أهداف الإنفاق اما الذي أنفق نفقة فأخفاها حتى أنه من شدة إخفائه لم تعلم شماله بما تنفق يمينه فقد تغلب على حب الجاه و الذكر و المدح و آثر رضا الرحمن فاستحق-بفضل الله – أن يدخل في الشرف.
و يتبع رغبات النفس في المدح الرغبة في المدح بكثرة العبادة و البكاء من خشية الله و هذه لا يسلم منها الا من سلَمه الله مع كثرة المجاهده و المثابرة و عندما يخلو الإنسان بالله ثم تفيض دمعه من خشية الله فإنه بالتأكيد تخلص من حب الظهور و لم يبك إلا بسبب خشية الله حقا فاستحق أيضا –بفضل الله- أن ينال شرف الدخول في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله.
اسأل الله أن يجعلني و إياكم منهم و أن يعيننا على ذكره و شكره و حسن عبادته.
__________________
″والله يريد أن يتوب عليكم و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما″