إنكار الفقر

إنكار الفقر

عزيزة المانع
لم يعمد بعض الفقراء إلى إنكار فقرهم، ويجتهدون في التبرؤ منه؟
قد يبادر البعض إلى القول بأنه بدافع الحرص على الحفاظ على احترام الآخرين وتأكيد عزة النفس وكرامتها وكبريائها، إلى آخر قائمة الصفات الخلقية التي عادة يفخر ويعتز بها الناس ويرون الاعتراف بالفقر وإعلانه منقصا لها. ومن الواضح أن هذه رؤية مجتمعية عامة وموروثات ثقافية راسخة لدى شعوب العالم كلها، ليس بإمكن أحد إنكارها أو تجاهلها.
ما يستحق التأمل فيه هو لم يعد الفقر منقصا لاحترام الآخرين أو مناقضا للعزة والكرامة أو غير ذلك من صفات الرفعة؟ إن ربط الثقافة بين الفقر وهذه الصفات يضع عبئا آخر على القراء فوق عبء الفقر. وفي المقابل، لم تظهر الثقافات المجتمعية الغني مؤهلا للاحترام والتبجيل؟ وتجعله مؤهلا لمعاملة مختلفة أميل إلى اللين والرفق، فهو إن ارتكب مخالفة كأن يخالف نظام المرور أو نظام العمل أو وزارة التجارة أو غير ذلك يجيئه التنبيه بأسلوب لطيف رقيق، وربما صحبه الاعتذار عن الاضطرار إلى تنبيهه، وإن رغب في الحصول على خدمة من جهة من الجهات العامة، جاءته الاستجابة مقرونة بتيسير ما يطلب، مصحوبة ليس بالابتسام فحسب، وإنما أيضا بالامتنان أن أتيحت فرصة خدمته.
وكلا الحالين: حال الغنى وحال الفقر، لا ينتقل من صاحبه إلى الآخر عن طريق الإشعاع أو لنوع التفاعل، لكنه الوهم النفسي والموروث الثقافي الذي يعطي لصاحب المال مكانة يحرم منها من لا يملكه. هذا الموروث الثقافي السيئ جعل بعض الفقراء يخجلون من نسبة الفقر إليهم، ويجدون حرجا في أن تعلن حاجاتهم أمام الناس، وقد أشار الأستاذ خلف الحربي قبل أيام إلى ما يحدث في بعض مدارس البنات التي توزع على الطالبات الفقيرات حقائب دراسية مطبوعا عليها اسم الجمعية الخيرية التي تصدقت بها، فيكون في ذلك إعلان يومي عن فقر أولئك الطالبات يسبب لهن الضيق والحرج.
هذه الإشارة جعلتني أتساءل عن العلاقة بين ضيق الطالبات وحرجهن من حمل حقائب مهداة إليهن، والإعلان عن عجز أهلهن عن توفير مثلها لهن؟ إن الحرج هنا يأتي من خلال تلك الرسائل السلبية التي تبثها المدرسة متأثرة بثقافة المجتمع، حول الفقر والتي يجري عبرها تصوير الفقراء على أنهم فئة ضعيفة، مزدراة ومحتقرة، تستحق الرحمة والإشفاق، فتنمو في النفوس مشاعر الاستهانة بالفقراء ويربو الازدراء لهم، وكان الحق أن تعمل المدرسة من خلال منهج التربية الوطنية وغيره، على بث قيم مختلفة حول العلاقة بين المواطنين، ويتمثل فيها تأكيد حفظ الكرامة لكل الناس من مختلف الطبقات، وأن مساعدة الفقراء منهم واجب يقتضيه دافع التعاون بين المواطنين من أجل الإسهام المشترك في التغلب على الصعوبات التي تمر على الفرد في بعض الأوقات والتي يكاد لا ينجو أحد من الوقوع في بعضها. فتقديم العون للإخوان هو واجب ديني ومشاركة إنسانية ووطنية، لا ينبغي أن تكون ثمنا لسلب حقهم في الاحترام والمعاملة الكريمة.