يحكى أنه كان هناك شاب مولع بجمع التحف حتى أنه يسافر للحصول عليها المسافات الطويلة. كان هذا الشاب يقود سيارته في يوم بارد مليء بالثلج في مكان بعيد و وعر. تعطلت سيارة الشاب و كاد أن يهلك من شدة البرد إلى أن أنقذه الله بشيخ كبير يعيش في تلك المنطقة. أخذ الشيخ الشاب إلى بيته و في الطريق أخذ يخبره أنه منذ عدة أيام و هو طريح الفراش و أن الله شافاه اليوم لكي ينقذه. عندما دلف الشاب الى داخل بيت الشيخ القديم هاله أن رأى أربعة كراسي قديمة تميل الى اللون الأحمر. أخذ الشاب يفكر في الطريقة التي يحصل بها على هذه الكراسي الأثرية. فكر في أن يحضر للشيخ مجموعة من الكراسي على شكل هدية جزاء لإنقاذه ثم يوهم الشيخ أنه سيأخذ هذه الكراسي القديمة ليرميها. جالت في فكره أفكار أخرى و كان منها سرقة الكراسي من الشيخ الذي لا يستطيع اللحاق به. في هذا الوقت، كان الشيخ منهمكا في عمل الطعام لضيفه. بعد تناول العشاء أعتذر الشيخ من الشاب لعدم وجود حطب يشعل بها النار للتدفئة لأنه كان مريضا طوال الأيام الماضية. أحضر للشاب مجموعة من الأغطية كفيلة ببعث الدفء في جسده ثم دلف الى غرفته التي يعيش فيها بعد أن ماتت زوجته منذ سنوات. واصل الشاب التفكير في هذه الكراسي و في طريقة الحصول عليها إلى أن غلبه النوم. استيقظ الشاب على صوت الشيخ و هو يكسر الحطب و يشعل النار لتدفئة البيت. لفت انتباه الشاب اختفاء الكراسي من مكانها. استغرب الشاب و أيقن أن الشيخ كان ذكيا و لمح اهتمامه بها فأخفاها. سأل الشاب الشيخ- بخبث- : و لكن أين الكراسي التي كانت هنا يا عم؟ أجابه الشيخ: يا بني هذه من حطام الدنيا و ما كان لي أن أترك ضيفي يبرد فأشعلت بها النار. صدم الشاب من نبل و كرم الشيخ و من لؤم و حقارة نفسه.
الإيثار خلق عظيم يدل على كرم و نبل صاحبه لا يظهر إلا في الأوقات الصعبة و لا يدركه إلا القليل . روي أنه لما مات حاتم الطائي- وكانت العرب تضرب به المثل في الكرم والجود- أراد أخوه أن يخلفه فقالت له أمه : هيهات، شتان والله ما بين خلفتبكما لقد وضعته ((أي حاتم )) فبقى والله لا يرضع حتى ألقمت إحدى ثديّيّّ طفلا من الجيران ! وكنت انت ترضع ثديا ويدك على الآخر ! فأنى لك ذلك !!
روى حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة جرحوا يوم اليرموك فلما أثبتوا دعا الحارث بن هشام بماء ليشربه؛ فأتى الساقي بالماء، فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه إلى عكرمة فلما أخذه عكرمة نظر إليه عياش فقال: ادفعه إلى عياش فما وصل إلى عياش حتى مات فرجع إلى عكرمة فوجده قد مات, ثم رجع إلى الحارث فوجده قد مات أيضا فرحمهم الله جميعا حيث ماتوا و هم عطشى لكي يؤثر كل واحد منهم صاحبه على نفسه.
أما اللؤم الذي كان بصاحبنا الشاب، فينبغي أن يحاول الإنسان أن يجاهد نفسه و يخلصها منه لكن صدقوني أن الأمر صعب.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته*** و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا
الى اللقاء