يحكى أن (37)

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
يحكى أن قردا رأى نجارا يحاول أن يشق خشبة و هو واقف عليها بمنشار و وتدين فكان كلما تقدم قليلا نزع الوتد الأول و وضعه قريبا من المنشار، ثم ذهب لبعض شأنه و كان هناك قرد يراقبه، فلما ذهب النجار أراد القرد أن يقلده فقفز فوق الخشبة و أخذ ينازع الوتد لكي يزيله من مكانه، و كان ذيل القرد قد سقط بين شقي الخشبة من دون أن يشعر، فلما نزع الوتد إنطبقت الخشبة على ذيله، فأخذ يصيح من شدة الألم، فانتبه له النجار،فجاءه و ضربه ضربا فآلمه أشد من ألم الخشبة ثم أطلقه.
إن الذي يتطفل على ما لا يحسنه حري به أن يلقى مثل ما لقي القرد، فالقرد يحسن أشياء كثيرة لا يحسنها النجار فهو يحسن تسلق الأشجار بمهارة و قطف الثمار، و تسلق الصخور بخفة و سرعة و لكنه ترك ما يحسن و تطلعت نفسه إلى ما لا يحسن تقليدا للنجار. ينبغي للإنسان أن يعرف قدراته و أن يحاول أن يطورها و يتميز فيها و لا يبعثه التقليد لتعلم صنعة لن يتقنها كمال الإتقان، و سيفقد جهدا كان يمكن أن يعينه على تطوير نفسه في مجاله.
لا يعني ذلك أننا ندعو إلى عدم معرفة العلوم الأخرى لكن التميز في مجال يخدم الأمة و المجتمع و الشخص نفسه أكثر من التشتت و لعل ما قد ذكرته في مقال سابق عن المثقف و نسبة سبعين و ثلاثين بالمائة مفيد، فنحن نريد متخصصا بنسبة سبعين في المائة و مثقفا بنسبة ثلاثين في المائة.
إن إبداع المهندس في مجاله يفيدنا أكثر من لو ذهب يتطفل على الطب تطفلا لن يجعله طبيبا ذا فائدة، و سيؤثر على تطوير نفسه في مجاله، و هذا ينطبق على كل تخصص. الملخص أن الإنسان يبدع فيما يحسنه و يأتي بالعجائب حينما يقوم بما لا يحسنه.
إلى اللقاء.