الإهداءات


العودة   منتديات آل حبه > منتـــــديات آل حبه العامــــة > المنتدى العام

المنتدى العام طرح كافة المواضيع العامة والتي لا تندرج تحت اي قسم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-10-2009, 03:43 PM   #1
زائر
 
المشاركات: n/a
الفكر بين الماضي والحاضر

ترددت كثيراً قبل أخذ القرار والكتابة في هذا الموضوع، لا لعدم إيماني بأهميته، بل خشية ألا أُوفيه حقه، كونه موضوعا كبيرا ومهما. ولأصدقكم القول إن هذا الموضوع أكبر من مقدرتي وخارج اختصاصي، إلا أنني أحببت أن أخدش خدشا بسيطا في قشرة هذا الموضوع، لعل أحداً من مفكري هذا الشعب أو من علماء الاجتماع من يغوص للأعماق ويثري الموضوع بحثاً ونقاشاً، أو لعل إحدى الجامعات أو وسائل الإعلام تتبنى طرح هذه القضية للمختصين وتشبعها تحليلاً وبحثا عن حلول لها.

تدفع الأوطان ثمناً غالياً مقابل تفشي وباء الخواء الفكري لدى طبقات شعوبها. إن عدم تحصين الأجيال بالفكر السليم والقيم النبيلة يعرّض تلك البلدان إلى فقدان المناعة والحصانة ضد السلوكيات الخاطئة والأفكار الهدامة، وتكون عرضة للأمراض الفكرية والاجتماعية، مثل التأثر بالشائعات وسريانها بين أفراد المجتمع سريان النار في الهشيم، وما قصة الزئبق الأحمر وماكينة (سنجر) عنا ببعيد، ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة.

في مجالسنا هذه الأيام كثرة الشكوى من العادات الوافدة على المجتمع السعودي، وعن الغربة الحاصلة بين الآباء والأبناء في الأفكار وفي المأكل والملبس وفي الثقافة. أحدهم علق على هذا الأمر، وقال إن زوجته أصبحت تعد لكل وجبة سفرتين مختلفتين من الأطعمة واحدة له ولزوجته والأخرى للأولاد، هذا إذا تفضلوا وأكلوا في البيت. وهذا – للأسف - حال كثير من الأسر. أما الاختلاف في الملبس والمظهر والعادات والثقافة فالبون شاسع والفجوة سحيقة والجرح عميق.

قد يقول بعضهم إن الاختلاف بين الأجيال شيء طبيعي، وإن العادة جرت على مر العصور من تشكي السلف من اختلاف الخلف عنهم في كثير من الأمور، وإن مقولة "هل تريدون أن تعيشوا زمانكم وزمان غيركم؟" كثيراً ما تتكرر على مر الأزمان، فما الجديد في الأمر.

الأمر - يا أخواني الكرام - جداً مختلف، ففي الماضي دائرة التأثير في النشء كانت ضيقة، كانت شبه محصورة بين الأسرة وبين البيئة الخارجية المحيطة بها من مجتمعات وكائنات، وكانت الاختلافات شبه محدودة، حيث كانت المعرفة والخبرة تنتقلان من الأجداد والآباء إلى الأبناء دون تأثيرات أخرى . بعد ذلك أخذت دائرة التأثير تتسع، فأتت المدرسة لتترك تأثيرها في الأجيال، وبعد ذلك أتت المواصلات لتسهل الاتصال بين المجتمعات ولتنفتح المجتمعات على بعضها ولتتسع دائرة التأثير، ثم أتت ثورة الاتصالات – المبرقات، الهاتف، المذياع، التلفزيون، التلكس، الفاكس، البريد، الجوال – لتجعل من العالم قرية صغيرة ولتكون دائرة التأثير قد بلغت أشدها، حيث شملت جميع أنحاء العالم، فقد يتأثر طفل يشاهد تلفزيون في إحدى قرى جبال السروات بعادات شعوب الاسكيمو في القطب الشمالي من خلال مشاهدته برنامجا عن شعوب الاسكيمو. لم تتوقف دائرة التأثير عند هذا الحد بل أتى ما هو أشد تأثيراً من ذلك، أتت تقنية المعلومات والاتصالات وعلى رأسها تقنية الإنترنت لتجمع بين جميع التقنيات السابقة ولتصل درجة التأثر إلى أقصاها، فعلى يد هذه التقنية تحطمت قيود المكان والزمان وقيود الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك. إنها بحق تقنية انقلابية غيرت بصورة جذرية كيف نعمل وكيف نفكر وكيف نتواصل. لم يعد تأثير الاتصال محصورا في طرف واحد (مثل الإذاعة أو التلفزيون)، بل تعدى ذلك إلى التواصل التفاعلي حيث أصبح باستطاعة المتلقي التفاعل مع المتصل، وأصبح بالإمكان –على سبيل المثال - مزاولة التجارة الإلكترونية والتعاملات الإلكترونية على مستوى الحكومات والمؤسسات والأفراد من خلال الشبكة العالمية (الإنترنت)، حتى ممارسة الألعاب الإليكترونية أصبح إمكانية ممارستها من خلال الواقع الافتراضي ليصبح بإمكان الأطفال المشاركة في الألعاب الإليكترونية عبر الفضاء الافتراضي من جميع بقاع الأرض . حديثاً أتت تقنية الحوسبة الغيمية التي ستتيح الاشتراك في جميع خدمات تقنية المعلومات (أنظمة تطبيقية، برامج، أجهزة، حلول متكاملة) من خلال الشبكة العالمية مقابل فواتير شهرية أو اشتراك سنوي.

بعد هذه الرحلة المختصرة عبر العصور، التي رأينا فيها كيف اتسعت دائرة التأثير في الإنسان بصورة عامة وفي النشء بصورة خاصة من مجرد تأثير محدود من الأسرة والمجتمع المحيط بها إلى التأثير في جميع الثقافات وعادات شعوب العالم قاطبة دون وجود عقبات أو موانع مادية تمنع من انتشار تلك الثقافات والعادات (عصر العولمة).

إذا كان للتأثيرات الخارجية للوسائل السابقة الذكر كبير الأثر في تشكيل تفكير الإنسان العادي، إن لم يكن محصناً بالفكر السليم، فإنها من باب أولى أشد تأثيراً في النشء. فماذا يُتوقع من طفل يعيش اختلاط عالم الواقع بعالم الخيال في وقت تحطمت فيه الحدود بين هذين العالمين. ففي التلفزيون عندما يشاهد الطفل مسلسل - كرتوني - ويشاهد أبطال ذلك المسلسل وهم يقومون بعمل خلاف ما يمكن إدراكه وفهمه في عالم الواقع، ثم الاستمرار على مر الأيام في تغذية عقول النشء بهذه الخيالات حتى يستمرأها الطفل ويصبح من الصعوبة عليه التفريق بين عالم الواقع وعالم الخيال. هذا بالنسبة لوسيلة التلفزيون، أما بالنسبة للإنترنت والألعاب الإليكترونية أو ما يُعرف بألعاب الواقع الافتراضي، فالمصيبة أكبر حيث يتسنى للطفل التفاعل مع أبطال اللعبة ولم يعد دوره مقصورا على المشاهدة فقط، بل يصبح أحد أبطال اللعبة. فعندما يخترق الطفل الحواجز والجدران في إحدى الألعاب أو يهوي من شاهق في أخرى دون الإصابة بأي أذى، فإن ذلك يشوش عليه تفكيره ويخلط بين الواقع والخيال.

وبعد - عزيزي القارئ - يتضح مما سبق اتساع الفجوتين الثقافية والاجتماعية بين الأبناء والآباء، ويتضح مدى التأثيرات المختلفة الضاغطة والمشتتة لفكر أفراد المجتمع، وخاصة فكر الشباب، الشباب الذي يعد أمل الأمة ورأسمالها الحقيقي، وعند محاولة الدخول إلى صلب الموضوع والغوص في أعماق المشكلة نرى أن هناك مؤسسات يقع عليها العبء الأكبر في استشراء هذا الوباء بين طبقات المجتمع عامة وبين الشباب خاصة.

أولى هذه المؤسسات وأهمها الأسرة، والتي تعد الحاضن الأول للفرد، وعندما ضعف دور هذه المؤسسة في تربية النشء وتحصينه التحصين السليم، أدى ذلك إلى فقد النشء المناعة ضد الأمراض الاجتماعية والفكرية وأصبح عرضة لكل التوجهات. إن غياب دور الأم ودور الأب في تربية النشء وانحصار دورهما في مجرد تأمين المأكل والملبس والترفيه، وتسليم مهمة التربية للخادمة والسائق – على اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم ودياناتهم - ، نتج عنه أول شرخ في البناء الاجتماعي، وكان أحد الأسباب في تفشي ظاهرة الخواء الفكري.

ثانية المؤسسات التي لها دور مهم في ظاهرة الخواء الفكري – سلباً أو إيجاباً – هي المدرسة. فمع ضعف تأثير الأسرة في تربية النشء وتخلي عمودي الأسرة – الأب والأم – عن دورهما وتسليم المسؤولية للخدم، يأتي دور المدرسة ليكون معوضاً عن نقص دور الأسرة في التربية. إلا أننا وللأسف، نجد أن دور المدرسة يعتريه بعض التقصير في بعض الأحيان، ويحتاج إلى مراجعة كبيرة، بدءا من لغة التخاطب الاستعلائية المستخدمة ومروراً بالمناهج وأسلوب تقديمها، ويجب ألا نغفل عن غياب دور المدرسة الواضح في تنمية وصقل وتبني المواهب وتشجيع الإبداع لدى الطلاب. إن دور المدرسة في وجود الخواء الفكري لا يمكن إنكاره، كما لا يمكن عرضه من خلال كلمات معدودة ويحتاج إلى دراسة معمقة. أما المؤسسة الثالثة في التسبب في وجود الخواء الفكري ووجود حالة اللامبالاة بين الشباب، هي الوطن. إن الشاب الذي لا يجد في وطنه وظيفة تؤمن احتياجاته الفيزيائية - مأكل، مشرب، مسكن، مركب، تكوين أسرة، ترفيه وغير ذلك - واحتياجاته المعنوية - الإحساس بأهميته كعضو فاعل في المجتمع له فائدته وإنتاجيته وتشعره بالـ (أنا) والانتماء الوطني – إن كل ذلك سيولد عند ذلك الشاب الإحباط والتفكير بسلبية نحو مجتمعه ونحو وطنه.

المؤسسة الأخيرة التي يقع عليها عبء كبير في تفشي الخواء الفكري في المجتمعات هي الإعلام، وكما أن لها دورا سلبيا في ظهور هذه الظاهرة، فكذلك لها دور كبير في علاج هذه الظاهرة إذا حسن التوجه، ولا يخفى على الحصيف لما لهذه المؤسسة من دور فاعل وتأثير في أفراد المجتمع. وباستطاعة الإعلام أن يكون أداة بناء، وأن يكون معول هدم.

لا شك عزيزي القارئ أن هناك جهات أخرى لها دور في وجود هذه الظاهرة وفي إيجاد حلول لها، إلا أنني حاولت أن آتي بالمؤسسات التي لها أكبر أثر في وجود ظاهرة الخواء الفكري، ولا أدري هل استطعت فعلاً أن أخدش خدشا بسيطا في جدار هذا الموضع المهم أم لا؟ أما الأضرار التي تنتج عن وجود الخواء الفكري في المجتمعات والأوطان، فهذا موضوع كبير خارج نطاق هذا المقال وخارج مقدرة العبد الفقير، وإن كان لي أن أُضيف شيئا لما سبق فهو: دعونا نبدأ بجسر الفجوة بين الأجيال ونبدأ أولاً بالنزول من الأبراج العاجية ونبدأ بتغيير لغة التخاطب الاستعلائية، وهذا في نظري المتواضع جداً أول الطريق.
  رد مع اقتباس

قديم 12-10-2009, 12:05 AM   #2
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 1,567
معدل تقييم المستوى: 32
ابو سعود will become famous soon enough
افتراضي

موضوع مهم جدا
وهذا الموضوع يتطرق للجيل من ابناءنا وبناتنا واخوتنا في المجتمع (بمفهومه الواسع والضيق)
لقد تطرقت او تطرق صاحب المقال الى اركان ثلاثة من الاهمية بمكان وتعتبر من اسباب التغيير المؤثرة
الاسرة - المدرسة - الاعلام سلبا او ايجابا
لقد حللت المشكلة ولكن نحتاج الى تحليل : الاسباب - الحلول - العلاج
يحتاج هذا الموضوع الى بحوث من متخصصين في علم الاجتماع وعلماء النفس والتربية والعلماء الثقات الذين يحرصون على سلامة فكر شباب وقادة المستقبل وعماد الامة
تواجدي في هذا الموضوع تواجد على استحياء كوني لا املك الحلول الجذرية لمثل هذه المشكلة
ولكن حينما يتحسس كل منا الامانة الملقاة على عاتقه سيؤثرا تأثيرا ملموسا
ولكن ان يكن هناك من يبني خلال سنوات ثم تتلقفه مدارس واعلام منحرف سرعان ما ينهدم هذا البنيان بسبب كثرة المغريات امامه

اشكرك على التطرق لموضوع رائع يستحق الوقوف عنده كثيرا ودعوة الى المخلصين من المربين لطرح المشكلة وابراز الحلول والعلاج قبل ان تصبح الفجوة كبيرة ويصبح الشق اكبر من الرقعة
__________________
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ابو سعود غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

قديم 12-10-2009, 03:39 PM   #3
 
الصورة الرمزية ابو نايف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الشرقيه
المشاركات: 44,381
معدل تقييم المستوى: 100
ابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond reputeابو نايف has a reputation beyond repute
افتراضي

موضوع جيد أتى في وقته
حيث أن مجتمعنا هذا المجتمع المتدين المحافظ بداءت فيه ظواهر عجيبة غريبة يحتار فيها ذوي العقول وهذه الظواهر ضريبة حتمية لما نعيشه من انفتاح
لكن يأتي دور الأسرة والمدرسة والعلماء والمفكرين والاعلام الذي ندعوا الله أن يكون وسيلة بناء لا غيرها.
__________________
ابو نايف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

قديم 12-10-2009, 06:23 PM   #4
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

ابو سعود
ابو نايف

شكرا على المرور
  رد مع اقتباس

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الماضي, الفكر, بين, والحاضر


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

ترتيب منتديات قبيلة آل حبه عالميا
 

الساعة الآن 11:06 PM


Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi
vEhdaa 1.1 by NLP ©2009
الأرشيف
تصميم المنافع لتقنية المعلومات