أتمنى تقرأون الموضوع للأخير
تأملوا في هذه الآية بتمعن وفهم - فيها قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع عرش بلقيس ملكة سبأ فيقول تعالى على لسان سليمان عليه السلام :
بسم الله الرحمن الرحيم
( قَالَ يٰأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ
أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ
أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ * قَالَ نَكِّرُواْ
لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ * فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ
قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) صدق الله العظيم
شرح القصة بإختصار :
كانت بلقيس ملكة سبأ إمرأة ذكية وذات فراسة - كان قومها يعبدون الشمس - ولما علم سليمان أرسل لها مرسول يدعوها فيه للتوحيد وعبادة الله - فدعت قوادها و شيوخ قومها لتشاورهم بشأن رسالة سليمان - فأشاروا عليها بأنهم : أقوياء وذوو بأس شديد
كان ردها بأنها ماتبي الحرب و تشوف ان الصلح أفضل - واقترحت قبل كل شيء بأن تسوي إختباراً في نظرها - بأن تمتحن سيدنا سليمان - وهل هو ملك أم نبي - حيث أنها تقول : الملوك تستجيب للهدايا - أما أولياء الله فليسوا كذلك
أرسلت بلقيس هداياها مع قافلة من أشراف وكبار قومها لسيدنا سليمان - فما كان من سيدنا سليمان الا انه رد الهدايا ولم يقبل بها - فرجعوا اليها بالخبر - ولم يكن امامها سوى ذلك السبيل بغية حفظ مملكتها وجنودها ولذلك توجهت الى الشام برفقة طائفة من اشراف قومها وكبارهم
لما علم سيدنا سليمان بقدومها قال لمن حوله :
( يٰأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ )
فرد عفريت من الجن - وهو مارد - والمارد من أقوى الجن :
( قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ )
فقال آصف بن برخيا الذي كان ذا علم - وهو أنس وليس من الجن :
( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ )
أي يأتي بعرش بلقيس في غمضة عين - أجمع أكثر المفسرين على أن الذى عنده علم من الكتاب هو رجل من الإنس يسمى آصف وهو كاتب و وزير سليمان
وبالفعل - آتى بالعرش آصف بن برخيا مقلوبا ً أمام سيدنا سليمان - فذهلت بلقيس وأسلمت هي وقومها
إنتهت القصة هنا
السؤال اللي شغل بالي عند قراءة الآية :
( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ ) الآية .
" يعني اللي جاب العرش من اليمن الى الشام في لحظة واحدة هو أنس وليس من الجن - وفي هذا الموقف نتيقن بأن الجن ضعفاء ولم تستطع أن تأتي بالعرش أسرع من ذلك الأنسي ! - بالعربي تغلب الانسي على الجن وهذا الأنسي ليس بنبي و أنمّا هو عالم ذا علم "
طيب نجي للسؤال :
كيف أستطاع آصف بن برخيا الأتيان بعرش بلقيس في لحظة واحدة ؟
الإجابة :
أجمع أغلب المفسرين والعلماء بأن المقصود بالعلم الذي كان يعلمه آصف - هو علمه ومعرفته بــ " إسم الله الأعظم " الذي اذا دُعي به الله أجاب و اعطى - يقول الله تعالى :
( إذا قضى أمرا فانما يقول له كن فيكون )
لا حظوا الفرق الزمني - بين كلمتي " كن " و " فيكون " - مجرد لحظة أو أقل من ذلك - وهذه قدرة القادر الخالق عز وجل - وعندما يُدعى الله بإسمه الأعظم فأنه يجيب في لحظة
السؤال الآخر بالنسبة لنا :
ماهو " إسم الله الأعظم " ؟
ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم " إسم الله الأعظم " في كثير من أحادثيه ولكنه لم يحدده :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم إني أسالك باني أشهد أنك أنت الله لا إله الا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد سأل الله بالإسم الذي إذا سئل به أعطي وإذا دعي به أجاب وفي لفظ لقد سألت الله باسمه الأعظم )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلى ثم دعا فقال اللهم إني أسالك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والارض يا ذا الجلال والاكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وأخرج )
عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن البقرة و آل عمران و طه )
السؤال الأخير - وهو سؤالنا في البداية :
كيف نستطيع أن نملك قدرة ً - أكبر من قدرات " الجن " ؟
الدعاء الى الله عز وجل بإيمان ٍ وصدق و الاجتهاد في ذلك بالدعاء بأسمائه وصفاته العلى - ومنها إسمه الأعظم و إختيار الأوقات والظروف المحببة في ذلك " أوقات الإجابة - مثل دعاء المسافر ودعاء الثلث الأخير من منتصف الليل "
رغم إختلاف الأزمنة والظروف - و أن قصة سيدنا سليمان مع بلقيس ليست الا حالة خاصة - إلا أننا نستطيع أن نمتلك قدرة ً أكبر من قدرات الجن - فكثير من الناس غاب عنهم الأستعانة بالله بالدعاء و أستعانوا بدلا ً عن ذلك بالسحر والجن
قصة قصيرة عن كرم الله على عباده في سرعة إجابة الدعاء :
ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب المجانين في الدعاء عن الحسن قال كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكني أبا مغلق وكان تاجرا
فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فاني قاتلك قال فما تريد الآدمي فشأنك والمال قال أما المال فلي ولست أريد إلا دمك قال أما إذا أبيت فذرني أصلى أربع ركعات قال صلى ما بدا لك..
فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال :
يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، والملك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص . يا مغيت اغثني يا مغيث اغثني يا مغيث اغثني ..
دعا بها ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها بين أذني فرسه ، فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه فقال : قُـم . قال : من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم ؟ قال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجيجا ، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل : دعاء مكروب ، فسألت الله عز وجل أن يوليني قتله
قال أنس رضي الله عنه : فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
والله تعالى اعلم