يحكى أن (10)

اوسمتي · 19-02-2011, 08:45 AM

يحكى أنه كان هناك أحد الشباب سريع الغضب، شديد الانفعال، و إذا غضب اشتد على الذي أمامه و كال له من السب و الشتم إذا لم يتعد ذلك إلى الضرب و اللطم. حاول والده أن يعدل من سلوكه و أن يخفف من حدته و سلاطة لسانه. لم تفلح محاولات الوالد الحكيم في شيء مما أراد فقال لولده يوما: يا بني، افعل ما بدا لك و لكن أرجو منك أن تغرس مسمارا عن كل غضبة تغضبها في سياج بيتنا الخشبي. قام الشاب بعمل ما أراده والده فغرس في اليوم الأول مساميرا كثيرة، و عندما لاحظ كثرتها أخذ في ضبط نفسه، و أخذت المسامير المدقوقة تقل حتى أتى اليوم الذي بشر الشاب والده بأنه لم يدق مسمارا ذلك اليوم لأنه لم يغضب و لم يؤذ أحدا. فرح الوالد بذلك و قال له: الآن أريدك أن تنزع مسمارا عن كل يوم لا تغضب فيه، و لأن المسامير كانت كثيرة، فقد أخذ الشاب وقتا ليس بالقصير إلى أن يأتي ليخبر والده بأنه نزع آخر مسمار في السياج معلنا نجاحه في تعديل سلوكه. أخذ الوالد بيد ولده و ذهبا لينظرا إلى السياج، فسأل الوالد ولده: ماذا ترى في السياج؟ فقال الولد: أرى آثار المسامير التي كانت مغروسة هنا يا أبي. هنا بادر الوالد ولده قائلا: و هكذا الإساءة إلى الناس، و إن اعتذرت عنها و قُبل اعتذارك فإنه يبقى في النفوس منها شيء.

الغضب صفة ذميمة تغطي على العقل و يخرج بالمرء عن جادة الصواب و تجعله يتصرف تصرفات هوجاء تؤذي الآخرين و تجعلهم ينفرون منه حتى لو كانوا أقرب الناس إليه و قد أوصى النبي صلى الله عليه و سلم الصحابي الذي استوصاه فقال له: "لا تغضب" فكأن الصحابي تقال الوصية، فسأل النبي صلى الله عليه و سلم أن يوصيه فكرر النبي صلى عليه و سلم وصيته ثلاثا بأن لا يغضب لما ذلك من أهمية في ضبط سلوك المسلم، بل إنه قال لأشج عبدالقيس : " إن فيك لخصلتين يحبهما الله و رسوله، الحلم و الأناة". إن الاستسلام لسلوك سرعة الغضب و عدم محاولة تعديله يعتبر انهزامية و استسلام للواقع و قد يلعب المحيطون به دورا سلبيا بتكريس مبدأ أن فلانا عصبي فلا تغضبوه و افعلوا كل ما يريد فبدلا من أن يحاول أن يغير من سلوكه يجبر من حوله كلهم أن يتغيروا ليوافقوه و الواقع يشهد بأن تغيير السلوك ممكن و إن كان في بدايته صعبا فهذا أبو بكر رضي الله عنه كان فيه حدة هذبها الإسلام.

إن من لا يستطيع أن يضع لنفسه برنامجا عمليا لتغيير سلوكه مثل ما عمل هذا الوالد لولده، فإنه ينبغي له أن يلتحق بدورات التدريب المنتشرة حتى يخفف من هذا السلوك البغيض. إن أول خطوات الحل هو إدراك حجم المشكلة، فإن الذي لا يأبه بمشاعر الآخرين لن يولي أي شأن لتغيير هذا السلوك لأنه لا يشعر بعظيم أثره. لقد أمرنا الله عز و جل باختيار أحسن الألفاظ لكي لا يقع في النفوس شيء و لم يكتف بالحسن بل أمر بالأحسن

((وقُلْ لعبادي يقولوا الَّتي هيَ أحسنُ إنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بينَهُم إنَّ الشَّيطانَ كان للإنسانِ عدوّاً مُبيناً ))

و هذا الشاعر يقول :-

احرص على حفظ القلوب من الأذى= فرجوعها بعد التنافر يصعب

إن القـــــــــــــــــلوب إذا تنافر ودها = مثل الزجاجـة كسرها لا يجبر

ينبغي للمربين أن يسلكوا طرقا ذكية و مبتكره لتغيير سلوكيات من يربونهم مثل ما فعل هذا الوالد مع ولده حيث لم تفلح الوصايا التقليدية في تعديل سلوكه.

الى اللقاء