الحمد لله رب العالمين ، والصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
عشرة نقاط تحجب الإنسان عن الله
أيها الأخوة ؛ هناك عشرة أشياء أخرى تحجب عن الله ، نحن في شهر القرب ، نحن في شهر الاتصال بالله ، نحن في شهر الإقبال على الله ، ما الذي يحجبنا عن الله ؟
العقيدة الخاطئة والفاسدة
أول هذه البنود عقيدة فاسدة ، سوء ظن بالله ، جهل بالله ، أيَّة عقدة فاسدة تحجب عن الله ، يكفي أنْ تتوهم أنّ الله خلق الكافر كافرًا قبل أن يخلقه ، وكتب عليه أنْ يكون في النار إلى أبد الآبدين ، هذه عقيدة تحجبك عن الله ، يكفي أن تتوهم أن الله أجبرك على كل شيء ، هذه عقيدة تحجبك عن الله عز وجل ، مئات العقائد الفاسدة إذا توهمتها تحجب عن الله .
أيها الأخوة ؛ هناك حقيقة أن كل اختصاص لا يتكلم فيه إلا أربابه ، إلا الدين يتكلم فيه كلُّ إنسان ، كأنه كلأ مباح لكل الخلق ، الطبيب طبيب ، و المهنس مهندس ، والمحامي محامي ، و الفيزيائي فيزيائي ، أما الدين كل إنسان مثقف يتكلم في الدين ، هو أُمِّيٌّ في الدين ، يحمل أعلى شهادة ، لكنه أميٌّ في الدين ، كما أن أكبر عالم في الدين إذا أطلعته على تخطيط قلب أمِّيٌّ لا يفهم منه شيئًا ، لأنّ كل إنسان مثقف ، أو يدَّعي الثقافة يدلي برأي في الدين ، فصارت مصادر التغذية كلها غلط ، لذلك : ابن عمر دينك دينك ، إنه لحمك و دمك ، خذ عن الذين استقاموا ، و لا تأخذ عن الذين مالوا " ، خذ عن الذين استقاموا بعقيدتهم ، وبسلوكهم ، فيكفي أن يتسرب إليك شبهات ، و سوء ظن بالله ، و أفكارٌ لا تنتمي إلى الحقيقة فتحجب بها عن الله عز وجل ، لذلك الله عز وجل جعل أكبرَ معصية على الإطلاق :
إذًا كل إنسان عنده عقائد تلقاها من خطبة من درس ، من صديق ، من فضائية ، خذوا دينكم عن الأرضيات ، لا عن الفضائيات ، هناك اتجاه إلى تخفيف تكاليف الدين ، وجعله كالسائل وكالغاز يكون في كل مكان ، إذًا أيّة قضية :
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[سورة الأنبياء الآية:7]
الله خلق الفاجر فاجرا ، ما الدليل ، قال :
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾
[سورة الشمس الآية:7-8]
هذا المعنى ما أراده الله عز وجل ، الله أراد أن يقول لك : أنا فطرتك فطرة عالية ، فإذا انحرفت تعرف أنك منحرف ممن يذكرك ، برمجة عالية جدا ، إذا أخطأ شعرت بانقباض ، الذكر هو القرآن :
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[سورة الأنبياء الآية:7]
فاسألوا مَن شرفهم الله بالقرآن ، تلاوة و حفظا وفهما و تدبرا ، فالعقيدة الفاسدة أكبر حجاب بينك و بين الله ، والعوام لأنْ يرتكبوا الكبائر أهون من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ، تجد شخصا يقول : هناك واحد هكذا قال ، مَن الشخص ؟ يقول : واللهِ يصلي إمام بجامع ، هل كل واحد صلى إماما بجامع صار مصدرا للعقيدة ؟ أعود وأقول : كل اختصاص لا يجرؤ أن يتكلم فيه إلا أربابُه إلا الدين كأنه اختصاص عام ، فكل إنسان يقرأ و يكتب ويحمل شهادة وهو نصف متعلم يدلي برأيه في الدين ، هو نصف العالِم خطير جدا ، لا هو عالم فيفيد من علمه ، ولا هو جاهل فيقبل أن يتعلم ، وقد قيل : تعلَّموا قبل أن ترأسوا ، فإنْ ترأستم فلن تعلموا ، والمستكبر لا يتعلم ، و المستحيي لا يتعلم ، فراجع حساباتك ، قد يحجب المرء عن الله بوهم غير صحيح ، بعقيدة غير صحيحة ، بتصور غير صحيح ، الله عز وجل كامل كمالا مطلقا
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
[سورة الأعراف الآية:180]
هذه واحدة .
الشرك الخفي
النقطة الثانية التي تحجبك عن الله هي الشرك ، لا أقول الجلي ، الجليّ والحمد لله المسلمون في شتى أقطارهم معافون منه ، ولكن الشرك الخفي ، أي أنْ تتجه إلى جهة تظن أنها تنفعك أو تضرك ، ترضيها أو ترجوها ، أو تخافها ، أو تعلق عليها الآمال ، هذا هو الشرك الذي يحجبك عن الله ، فإن كانت هذه الجهة على اتصال بالله هذا ليس شركا ، هذه المحبة ، وهذا التوجه عين التوحيد ، أي إذا اتجهت إلى رسول الله عين التوحيد ، إذا اتجهت إلى أصحابه الكرام عين التوحيد ، إذا اتجهت إلى إنسان مخلص في دعوته ورِع عين التوحيد ، هذا اسمه حبٌّ في الله ، الحب في الله عين التوحيد ، و لكن الحب مع الله عين الشرك ، أن تحب جهة لا علاقة لها بالدين ، أن تعلق أهمية عليها ، أن تعقد عليها الآمال ، أن ترجوها ، أن تخافها ، أن ترضيها ، لذلك مرت آية اليوم :
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾
(سورة النساء)
أي إن أشركت ولو شركا خفيا ، لا بد من أن تقترف إثما ، هناك معنى أن عين الشرك هو الإثم ، الشك الخفي لا بد من أن يفضي بك إلى الإثم ، أنت تعبد جهة أخرى ، قد يكون لها توجيه غير توجيه الله عز وجل ، ما دمت قد ظنت تفعل ، ولا تفعل ، وترفع وتخفض ، إذا اتجهت إليها وأردت أن ترضيها لا بد أن تقع في الإثم .
البدع القولية والعملية
البند الثالث بدع قولية ، أي العالَم الإسلامي مليء بها ، حِكم وأقوال وأمثال شعبية لا علاقة لها بالدين إطلاقا ، وهذه كلما تصورناها صحيحة حجبتنا عن الله ، أي الله عز وجل كما يقول العوام :" عاطي الحلاوة لما له أضراس " معناه أن الله ليس حكيما ، كلمات ما أنزل الله بها من سلطان ، " طاسات معدودة في أماكن محدودة ": أي أن الله أجبره على الخمر ، لا ذنب له يوم القيامة ، مادام " طاسات معدودة في أماكن محدودة " لا ذنب له ، ممنوع أن تعتمد تطرد ، لماذا ؟ اسأل .
النبي الكريم صلى إماما ، وأحد الصحابة ، بل إنه من أقل الصحابة شأنا ذو اليدين ، النبي صلى ركعتين ، فقال : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال : كل هذا لم يكن ، قال بعضهم : قد كان ، أصر ، سال أصحابه فإذا قد صلى ركعتين ، فقال عليه الصلاة والسلام : إنما نسيت كي أسنَّ " أسن لكم سجود السهو ، اسأل ، لا تقبل شيئا بلا دليل ، ولا ترفض شيئا بلا دليل ، فهناك أقوال لا تُعَدُّ ولا تحصى ، مليئة في حياة المسلمين ، لا أصل لها في الدين أبدا ، هذه أيضا تحجب .
عندنا بدع عملية ، يحكم الناسَ عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان ، في الزواج ، وفي المآتم ، وفي الأفراح ، وفي كسب المال ، و في إنفاق المال ، وفي العلاقات الاجتماعية ، هذه كلها بدع عملية ما أنزل الله بها من سلطان ، يعني لازم المرأة تحدَّ على أبيها سنتين ثلاثة ، إذا أربعة فأخذ خاطر ، إلى متى ؟ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على زوجها أكثر من ثلاثة أيام ، هذه بدع عملية ، ثاني خميس ، ثالث خمسي ، رابع خميس ، وأول أربعين ، وثاني أربعين ، وسنويته ، كلها أشياء ليست من الدين في شيء .
الكبائر الباطنة والصغائر المصر عليها .
عندنا شيء يحجب عن الله خطير جدا الكبائر الباطنة ، عندنا كبائر ظاهرة ، الكبائر الظاهرة يسهل التوبة منها لأنها ظاهرة ، شرب الخمر كبيرة ظاهرة ، الزنا كبيرة ظاهرة ، أما هناك كبائر باطنة تحجب عن الله الكبر ، أن تتوهم أنك وحدك على الحق ، وأنّ الناس جميعا دونك ، هذا كبر ، هذا أنانية ، أن تخاصم من أجل فكرة لستَ متأكد منها ، أن تربط أفكارك مع شخص ، وكم من رذيلة سببها الكبائر الباطنة ، فكل إنسان يتوهم ، أنت حينما تتطلع ، وحينما تتصل ، تصغر ، تصغر لتكبر ، أما حينما تنعزل وتبني أوهاما لا أصل لها تكبر عند نفسك وحدك ، لكن ليس عند الناس ولا عند الله عز وجل ، فالكبائر الباطنة والكبائر الظاهرة تحجب عن الله عز وجل.
الآن الصغائر التي نصر عليها ، أكثر المسلمين و الحمد لله لا يزنون ، أنا لا أزني ، صحيح ، ولا أقتل قتيلا ، ولم أشرب خمرا ، ولم أعص كبيرة ، والصغائر التي لا تعدُّ و لا تحصى ، هذه كلها حجُب ، أي إذا عندك في البيت عشرة أجهزة كهربائية ، وأنت قطعت التيار الرئيسي ، إذا قطعته مترا ، أو قطعته ميليمترًا ، المفعول واحد ، بالعكس لما يُحجَب الإنسان عن الله بالكبائر ، عمل أعمالا تبرر هذا الحجاب ، أما مَن هو المغبون ؟ الذي يحجب عن الله بالصغائر ، يطلق بصره ويصافح ، يختبر بين مزح ومزح ، ينظر إلى أيّ شيء ، مرتاح ، ما زنى فعلا ، و ا شرب خمرا ، ولا قتل قتيلا ، ولا أكل ربا ، ولكن هناك مئتا الصغائر هذه كلها تحجب عن الله عز وجل ، لك قال عليه الصلاة والسلام :
(( لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ))
أكثر المسلمين يتابع المسلسلات ، ينظر ، ويضحك ، ويمزح ويصافح ، ويقول : الحمد لله نحن مستقيمون ، لا لستَ مستقيما ، بالمقاييس الدقيقة لست مستقيما ، بالمقاييس العريضة فعلا أنت مستقيم ، أما بالمقاييس الدقيقة فلست مستقيما ، ولأنك لست مستقيما لن تستطيع أن تتصل بالله عز وجل ، و المشكلة أنك حُرمت الاتصال بالله ، لا لسبب كبير ، بل لسبب صغير حقير ، فلذلك أيها الأخوة الصغائر إذا أصررنا عليها تحجبنا عن الله عز وجل .
التوسع في المباحات
عندنا شيء آخر يحجب عن الله التوسع في المباحات ، العمر قصير لا يكفي لهذه المباحات ، يعتنس بدنياه عناية تفوق حد الخيال ، إلى درجة أنها تمتصُّ كل وقته ، فعلا لم يرتكب الكبائر و لا الصغائر ، لكن لأنه اعتنى بالمباحات عناية فائقة جدا جدا ، هذه امتصَّت كل وقته ، ولم تبق له وقتا كي يذكر الله عز وجل ، المباحات نفسها ، أيْ أيّ عمل يمتص كل وقتك ، أيّ مشروع لا يبقي لك وقتا لذكر الله عز وجل هو خسارة محققة ، يجب أن توازن ، يقولون : الإنسان الذي ليس له وقت فراغ فليس بإنسان ، لماذا وقت الفراغ ؟ كي تشغله بما أنت مؤمن به ، أنت قد تعمل عملا لا تحبه ، أنت مضطر أن تعمل هذا العمل كي تكسب الرزق ، ولكن لا بد من وقت فراغ تحضر دروس العلم ، تدعو إلى الله ، تجلس مع أهلك ، فهذا الذي يلغي وقت الفراغ من حياته فقَدَ إنسانيته ، وأنت إنسان إنْ كان هناك وقت فراغ تشغله بما أنت مؤمن به .
جعل العبادات عادات
ثم إن هناك أهل الغفلة ، أي آمن بالله واستقام على أمره ، ولم يجدِّد إيمانه ، هذا الإيمان يخلق ، يهتر ، فانقلبت صلاتُه إلى عادات ، انقلبت عباداته إلى عادات ، فرِّغت عباداته من مضمونها ، أهل الغفلة أيضا محجوبون عن الله ، وأخطر شيء في حياة المؤمن مدمِّر الغفلة عن الله ، و طول الأمل ، الغفلة وطول الأمل ، غافل ، يؤدّي العبادات كطقوس ، وفرق كبير بين الطقس وبين العبادة ، العبادة معللة بمصالح الخلق ، بينما الطقوس حركات وسكنات وتمتمات لا معنى لها ، فأسوأ ما في تديُّن الناس أن عباداته الشعائرية التي فُرضت عليهم كي ترقى بهم جعلوها طقوسا لا معنى لها ، الصلاة مثلا ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
[سورة النساء الآية:43]
بالمعنى المخالف يُستنبط أي ينبغي أن تعلم ما تقول في الصلاة ، إنْ أردت أن تحدِّث الله فادعُه ، وإن أردت أن يحدِّثك الله فاقرأ القرآن ، فالقرآن يُتلى عليك ، يجب أن تعلم ما قال الله في التراويح مثلا ، أنت في التراويح تستمع إلى كلام الله بشكل مفصَّل ، جزء ، عشرون صفحة تقريبا ، فينبغي أن تعلم ما تقول ، فالغفلة تقلب العبادات إلى عادات وحركات و تمتمات لا معنى لها ، والإنسان وحده يلاحظ نفسه ، إذا قرّبت عباداته أن تكون حركات لا معنى لها لم يعُد هناك مناجاة حقيقية ، لم يعد هناك دعا لله عز وجل حقيقي ، لم يعد هناك ابتهال حقيقي ، و لم يعد هناك رجاء حقيقي ، فقَدَت عباداته حرارتها .
أقول لكم كلمة ؛ واللهِ بحسب ما أظن أن كل عبد مؤمن فيه خير ، أهمل عباداته إهمالا حقيقيا لا بد من شيء يسوقه إلى الله ليكون دعاؤه حاراً ، فإما أن تأتيه طائعا ، وإما أن تساق إليه طائعا ، والأولى أشرف .
تكبر الإنسان لمعرفته بعلوم الدين
هناك شيء أخير شرحه دقيق جدا ، الدين ناصع جدا ، له علوم ظاهرة كثيرة ، لو واحد أتقن علماً من علوم الدين ، أتقنه إتقاناً شديداً ، وظنه الدين كله ، وهذا الإتقان لهذا العلم جعله يستعلي ، الإمام الغزالي رحمه الله تعالى قال : " إتقانك هذا العلم الذي حملك على أن تستعلي على الناس حجابٌ بينك وبين الله ، العلم النافع أن يقرّبك إلى الله ، تجد شخصا درس علم الحديث ، رأـى نفسه فوق الناس جميعا ، لم يعد يتحاكم ، معه اختصاص ، هذا العلم إذا أتقنته ، أو أي علم آخر واعتددت به ، واستعليت به على الخلق ، وقيَّمت الناس جميعا من خلال هذا العلم أنت هذا العلم أصبح حجابا عن الله ، العلم مقرِّب ، العلم له شفافية ، أما حينما يكون حجابا بينك وبين الله ، ما كان هذا العلم ولا كان هذا التعلم ، أنا أدعو إلى التعلم ، لكن أحيانا الإنسان تأخذه نفسه ، أنا عندي اختصاصا نادر في الجامع ، فإذا إنسان تكلم كلمة تجده وقف واعترض وحاول أن يصغر وأن يطعن ، هذه النفسية نفسية هدم ، النفسية التي يحبها الله نفسية بناء ، هناك نفسيات هدم ، أنه قنَّاص وجد غلطة " كمش " بالتعبير الدارج ، أما المؤمن فينصح ، ولا يعتدّ .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه النقاط العشر تحجب عن الله عز وجل ،
والحمد لله رب العالمين
منقول