من ذرائع الفساد.. الهبات والرعاية !!

من ذرائع الفساد.. الهبات والرعاية !!
الاثنين, 19 أكتوبر 2009
فائز صالح جمال


الذرائع جمع ذريعة، والذريعة كما جاء في المعجم الوسيط «هي الوسيلة والسبب إلى الشيء».
وأذكر أنني اندهشت كثيراً عندما اطلعت على فقرة في نظام حكومي - أظنه نظام المحاسبة أو نظام المشتريات الحكومية - تجيز للجهات الحكومية قبول الهبات والتبرعات، وسبب دهشتي هو قناعتي بملاءة الجهات الحكومية، ووجوب علوْ يدها..
كان هذا في بدايات الثمانينيات الميلادية -1403هـ-، وبمرور الوقت، وبعد شح موارد الدولة، تجلى لي مفعول هذا النظام وآثاره، من خلال كيفية استخدامه من قبل معظم الجهات الحكومية الخدمية، وعلى الأخص التي لها من الصلاحيات ما يحقق لها موقفاً سلطوياً على المواطنين والشركات، يمكنّها من إلزامهم بتوفير العديد من احتياجاتها. وفي المقابل استثمره المتعاملون مع هذه الجهات لتسريع معاملاتهم معها، والحصول على امتيازات إضافية لا يحصل عليها من لا يتجاوب مع طلبات تلك الجهات.
ويقع ضمن مظاهر تفعيل نظام قبول الهبات والتبرعات، ما تم تداوله مؤخراً في الصحف من حصول فرع وزارة التجارة في المدينة المنورة على مبالغ شهرية من الغرفة التجارية في المدينة المنورة. وهو بالمناسبة أمر لا يقتصر على غرفة المدينة المنورة وفرع الوزارة هناك، وإنما يتكرر في معظم الغرف والفروع في المدن الأخرى، وهو كما ذكر مدير عام فرع الوزارة في المدينة أنه بعلم الوزارة..
وقد سبق لي الكتابة حول علاقة الغرف التجارية ببعض الجهات الحكومية، وكيف أن دور الغرف انحرف بسبب نظام قبول الهبات والتبرعات عن مساره الصحيح، فدور الغرف التجارية تمثيل وجهات نظر منتسبيها من التجار والصناع، وما يجري على أرض الواقع هو أن الغرف تحولت إلى تبنى طروحات الجهات الحكومية تجاههم، أو على الأقل الوقوف سلبياً تجاه قضايا التجار والصناع وما يواجهونه بفعل بعض القرارات غير الواقعية.. وهذا في رأيي مظهر من مظاهر الفساد التي ينبغي القضاء عليها، لأننا خسرنا أدوار الغرف التجارية في خدمة المصالح الكلية للتجارة والصناعة في بلادنا وتنميتهما..
ولعله لا يخفى على ذوي العلاقة بالغرف، كيف أنها تحوّلت إلى جهات أقرب ما تكون إلى جباية الأموال، وعقدت في سبيل ذلك الاتفاقيات مع بعض الجهات الحكومية لتكوين مصائد للتجار لإجبارهم على التسجيل في عضوية الغرف، وفي تصديق المستندات، ومن ثم ذهبت الغرف إلى إنفاق كثير مما يردها من أموال على أمور لا تخدم أدوارها الحقيقية، بل إن بعض القائمين على الغرف وصلوا في تفكيرهم إلى توزيع فائض واردات الغرفة على الموظفين في شكل مكافآت وخارج دوام وتذاكر سفر وما إلى ذلك..
وفُقد دور وزارة التجارة في الرقابة على أداء الغرف، ومحاسبة المتلاعبين بأموالها.. والسبب في رأيي تلقي فروع الوزارة لمبالغ وهبات من الغرف..
وما أتمناه على معالي وزير التجارة الأستاذ عبدالله زينل أن ينتهز فرصة ملاءة الدولة، وإصدار أوامره الفورية لجميع الفروع والغرف لإيقاف جميع أشكال الهبات والتبرعات أياً كانت، وتغطية جميع احتياجات الفروع من ميزانية الوزارة، واستصدار ما يلزم من أوامر أو قرارات لتحقيق ذلك، وهو بذلك يسد باباً من أبواب الفساد، ويضع علاقة الوزارة وفروعها بالغرف التجارية في مسارها الصحيح، ويصوّب أداء الغرف لتؤدي دورها الحقيقي في تنمية اقتصادنا الوطني..
وأما الذريعة الأخرى فهي نظام الرعاية، والذي اتجهت نحوه العديد من الجهات الحكومية، وهو نظام يُستخدم لتمويل فعاليات ترغب الجهات في إقامتها دون تحميل ميزانيتها بأية أعباء مالية، وأحياناً لتحقيق موارد إضافية..
ونظام الرعاية يمكن تفهمه عندما يكون بين مؤسسات القطاع الخاص، أو بشكل أدق بين الجهات التي تهدف للربح، لأن كلا طرفي العلاقة، الراعي والجهة صاحبة الفعالية يحسبونها بالورقة والقلم، وتكون العلاقة في الغالب وفقاً للعبة الكل يكسب (win-win game)، أما في حالة أن أحد طرفي العلاقة جهة حكومية خدمية غير ربحية، وجهة ربحية من مؤسسات القطاع الخاص، فالغالب أن القطاع الخاص سيكسب، وأن الجهة الحكومية لن تدفع هذا المكسب، وإنما سيدفعه طرف ثالث هو في النهاية المواطن. وقد يوضح المثال الذي تم تداوله أيضاً في الصحف مؤخراً حول رعاية إحدى الشركات المتخصصة في بيع أدوات حلاقة حديثة، لإجتماع موظفي صحة البيئة في إحدى أمانات المدن الكبرى. فالشركة المتخصصة دفعت مبلغ الرعاية وهي ترمي من وراء ذلك إلى أن تحصل على أكثر منه، من خلال فرض الأمانة أو على الأقل حثّها محلات الحلاقة ولو بسيف الحياء لشراء منتجات أو بضاعة الشركة تحت عنوان صحة البيئة وصحة المواطنين، وفي هذه الحالة الأمانة لم تدفع شيئاً، وهذا الظرف يضمن للشركة تصريف بضاعتها بالسعر الذي ترغبه، ومحلات الحلاقة ستدفع، وتجيّر التكاليف الإضافية إلى المواطن.. بالطبع هذا نموذج صارخ وظاهر، وأما ما خفي فهو أعظم..
وفي الختام أتوجه إلى كل من مجلس الشورى، وإلى ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة حماية النزاهة ومكافحة الفساد -وهذه الأخيرة طال انتظارنا لتشكيلها- إلى العمل على إغلاق باب قبول الجهات الحكومية للهبات والتبرعات، وإلى تقنين نظام الرعاية للجهات الحكومية بشكل يؤدي إلى إغلاق الأبواب أمام الفساد وأربابه..
وأرجوهم المسارعة قبل أن يأتي الفساد على ما تبقى من أمل..

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك
يالوسام

الوسام
بارك الله فيك على هذا الخبر
سلمت يداك ولا عدمناك
لك اجمل التحايا واعطرها