شباب يعزفون عن الزواج هرباً من نار قاعات الأفراح و "المظاهر الزائفة"

دعاء بهاء الدين - ريم سليمان - سبق - جدة: يؤرق ارتفاع أسعار قاعات الأفراح المقبلين على الزواج، حتى صار الوصول إلى عش الزوجية حلماً يصعب تحقيقه، وعلى الرغم من كل الظروف الصعبة التي يمر بها الشباب من بطالة وعدم الحصول على فرصة عمل مناسبة، إلا أن الثقافة الاستهلاكية ما زالت هي المسيطرة على عقول العديد من الأسر، ولا عجب أن تنهار زيجات بسبب خلاف على شكل وتكاليف القاعة.


وتلعب الوجبة والخدمات التي توفرها الصالة، دوراً كبيراً في تحديد السعر، حيث تتعامل قاعات الأفراح الكبرى مع عدد الأفراد وتكلفة كل شخص، بدءاً من المشروبات وانتهاء بالطعام، حتى تراوحت أسعار ليلة العمر ما بين 70 ألفاً إلى 200 ألف.

"سبق" تعرض قصصاً لشباب وشابات وقعوا ضحايا المظاهر الزائفة، وتتساءل متى ستنتهي الثقافة الاستهلاكية في المجتمع؟ وهل ارتفاع سعر القاعة يعد مؤشراً على السعادة الزوجية المقبلة؟!

ضاعت نقودي
أبدى فهد الحربي استياءه من ارتفاع أسعار قاعات الأفراح قائلاً: لدي أبناء شباب فضلت الاحتفال بزفافهم في يوم واحد، ومنذ عام تقريباً وأنا أدفع أقساط حجز قاعة الأفراح، فأنا أعلم بعجز أبنائي عن سداد نفقات الزفاف، فآثرت مساعدتهم، رافضاً طلبات أسرة العروس المبالغ فيها.

وتابع: أسعار تأجير قاعات الأفراح مرتفعة، وللأسف غالبية الشباب يعجزون عن سداد نفقات الزفاف كاملة، معبراً عن أسفه لانفصال ابنه عن خطيبته. وقال: منذ فترة وأثناء اختيار متطلبات الزواج، صممت عروسه على شراء غرفة نوم باهظة الثمن، فشعر ابني بالعجز أمامها ورفض الخضوع لطلبها، فتركته وأنهت الخطوبة بينهما، وما يحزنني أني ظللت أسدد تكاليف قاعة الأفراح لمدة عام وضاعت نقودي أدراج الرياح.

قرض لنفقات الزواج
وانتقد عبدالرحمن المطيري بعض تقاليد أسرته التي تفضل الجانب الاجتماعي عن مراعاة ظروف الشباب المادية، مشيراً إلى رفض أسرته لعمل بطاقات دعوة لحضور الفرح، وهذا يترتب عليه نفقات إضافية تثقل كاهلي، فأفراد قبيلتي يفوقون 1000 رجل بالإضافة إلى النساء، وعند إعداد الولائم فلابد من مراعاة هذا العدد، على الرغم من عدم حضور الغالبية.

وتابع: هناك شروط غريبة تفرضها إدارة القاعة كشراء الحلويات والفطائر من مطعم محدد وفي الغالب يكون باهظ التكاليف، معرباً عن أسفه لحصوله على قرض من البنك لتسديد نفقات الزفاف، وخوفه من عجزه عن سداده مع متطلبات الزواج التي لا تنتهي.

"شاي – قهوة" بـ 40 ألف ريال!
وبسخرية تحدث أحمد عبدالله لـ"سبق" قائلاً: إيجار قاعة الأفراح بـ40 ألف ريال يشمل "قهوة – عصائر – مياه – شاي"، متعجباً من شروط بعض قاعات الأفراح كعدم حضور الكوافيرة للقاعة، تنفيذاً لتعليمات الدفاع المدني، وأيضاً إجبار العريس على دفع مبلغ 500 ريال لمراقبة الجوالات بالقاعة، وتساءل لماذا أدفع هذا المبلغ، فهو تابع للقاعة؟، وأعرب عن قلقه من تراكم الديون عليه بعد تكاليف الزفاف.

طريق مسدود
" لم أفكر في الزواج في الوقت الحالي" هكذا بدأ فيصل الجهني حديثه قائلاً: تزوج أخي العام الماضي وشاهدت معاناته في تدبير نفقات الزواج، وتكاليف قاعة الاحتفالات والفرق الموسيقية وديكورات القاعة حتى بلغت نفقات ليلة الزفاف فقط 150 ألف ريال، لافتاً إلى أن أخاه تعثر عقب زواجه وعجز في كثيرٍ من الأحيان عن تدبير نفقات الحياة اليومية.

وتابع: اختلف أخي كثيراً مع زوجته فقد كانت تستغله مادياً، وتبالغ في طلباتها، حتى وصلت المشاكل بينهما إلى طريق مسدود فطلقها، متعجباً من ضياع نفقات الزواج على أرض الواقع.

طلبات تعجيزية
وبصوت ممزوج بالبكاء تحدثت "م.ا" قائلة: منذ خطوبتي وأمي دائماً تبالغ في طلباتها التعجيزية لخطيبي، فقد اختلفت معه كثيراً في شراء الشقة ومستلزمات البيت، وكنت دائماً أقف بجانبه وعانيت الكثير من تسلط أمي رغبةً مني في حياة مستقرة مع خطيبي المهذب، بيد أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.

وبحزن تابعت حديثها: بعد عقد القران بحثنا معاً عن قاعة للأفراح، كانت أمي دائماً تتمسك بأتفه الأمور، وأصرت على قاعة بلغ إيجارها 60 ألف ريال، بالإضافة إلى إصرارها على مطربة محددة تحيي زفافنا، وشعرت بمعاناة خطيبي وفشل للأسف في إقناعها، معربة عن حزنها لطلاقها قبل موعد زفافها بأسبوع.

مرض اجتماعي
أوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام الدكتور عبدالرزاق بن حمود الزهراني أن اختلاف أسعار قاعات الأفراح تختلف من مدينة إلى أخرى، ومن منطقة إلى منطقة، معللاً ذلك بالغلاء الذي تعيشه المدينة أو المنطقة، وخصوصاً في العقارات، وعقد مقارنة بين المدن قائلاً: في تصوري أن جدة هي الأغلى في أسعار تلك القاعات، كما أنها الأغلى في أسعار العقارات بشكل عام، بالإضافة إلى قلة تلك القاعات، وارتفاع الطلب عليها في الإجازات وخصوصاً في الصيف.

وتابع الزهراني: أما الرياض فتأتي في المرتبة الثانية بعد جدة في غلاء أسعار العقارات، وغلاء أسعار قاعات الأفراح، مشيراً إلى أن المنطقة الأقل سعراً وهي الباحة؛ فلا تتجاوز في الغالب عشرة آلاف ريال، يُضاف إلى ذلك كثرة قاعات الأفراح فيها ما يفوق عددها في جدة، بينما سكانها لا يصلون إلى ربع سكان جدة.

واعتبر البحث عن المظاهر الاجتماعية، ومحاكاة الأغنياء مرضاً اجتماعياً، منتشراً في مجتمعنا، مؤكداً أن الإنسان الرشيد يبحث عن قاعة متوسطة المستوى ومتوسطة التكاليف، وهذا يتفق مع الوسطية التي ينادي بها الدين، ورأى أن حفلة الزواج مؤقتة سوف ينساها الناس، وتصبح جزءاً من الماضي، منتقداً الطلبات المبالغ فيها من أسرة الزوجة والتي تثقل كاهل الزوج في بداية زواجه.

ولفت إلى أن إرهاق الشاب المتزوج بالديون يؤثر سلبياً على حياته الزوجية، وربما على استمرارها، مرجعاً تأخر كثير من الشباب عن الزواج لارتفاع تكاليفه، وخصوصاً عندما يصبح جزءاً من ثقافة المجتمع، ولا تدرك الأسر أهمية التيسير على الشاب.

ثقافة استهلاكية
وأرجع الكاتب الصحفي إبراهيم نسيب ارتفاع أسعار قاعات الأفراح لمظاهر البذخ والترف الذي يهيمن على فكر المجتمع، لافتاً إلى أن غالبية الشباب يقترض من البنوك أو يستدين من الأفراد حتى يستطيع توفير متطلبات ليلة الزفاف، وأكد أن المبالغة في نفقات الزواج تؤدي إلى معاناة الشاب بعد الزواج، وعجزه عن تدبير متطلبات الحياة اليومية، فينخرط في دوامة الأقساط التي تثقل كاهله، وربما تنهي حياته الزوجية.

ورأى نسيب أن قضية البذخ تراكمية في المجتمع، متسائلاً: إلى متى تستمر معاناة الشباب مع الثقافة الاستهلاكية للمجتمع؟، وطالب وسائل الإعلام بتوعية الأسر أن المبالغة في نفقات الزواج لا تحقق السعادة الزوجية، مشدداً على ضرورة التفكير بواقعية، حتى لا يصبح عريس اليوم ضحية الغد للمظاهر الزائفة