29-12-2011, 03:01 PM
|
#18
|
تاريخ التسجيل: Oct 2008
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 3,732
معدل تقييم المستوى: 57
|
العنوان :
هل الناس السود لعنة أحد أبناء نوح؟!
المجيب :
خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف:
الفهرسة/ السيرة والتاريخ والتراجم/التراجم والسير التاريخ 21/12/1427هـ
السؤال:
ما هو أصل الرجال السود في الإسلام؟ أنا أعرف أن بعض الناس قد يصدمهم هذا السؤال وأعتذر لذلك، وقصدي بعيد عن ذلك. ولكن مشكلتي هي التالية: أنا إفريقية وأواجه مشاكل كثيرة مع إخواني وأخواتي المسلمين. ومنها، العنصرية تجاه السود. كثيرون من هؤلاء يزعمون أن أصلنا هو لعنة سام (أحد أبناء نوح عليه السلام) وهذا يجعلنا كائنات ملعونة ودنيئة في القيم الروحانية. وبسبب هذا، بعض المعلمين يقللون من قدراتنا على حفظ القرآن، ويقولون: إن العرب لا يتزاوجون مع السود بسبب هذه اللعنة المزعومة، وبعض الأخوات بجهلهن يرفضن الوقوف بجانب أخت سوداء أثناء الصلوات.
أنا أعرف أن هذا لا يشمل كل المسلمين ولكن يسبب صدمات نفسية، كما أنه أمر صعب على الشباب الذين يدخلون في الإسلام؛ لذلك أريد أن توضحوا لي هذه القصة من التاريخ، وكل ما له علاقة مع أصل الأجناس المختلفة التي خلقها الله عز وجل بهذا الكمال.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالأصل في الناس جميعاً أنهم أبناء لآدم عليه السلام، وكلهم يرجعون إليه، ليس لأحد فضل على أحد إلا بالإيمان. والأديان السماوية الصحيحة جاءت معززة هذا الأصل وهو أن الأفضلية ليست لأجل الجنس والعرق؛ بما أن الناس يرجعون إلى أصل واحد، بل الأفضلية راجعة إلى الدين والإيمان بالله. وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم في سياق تعدد الأعراق والشعوب فقال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " [الحجرات: 13]، وجاء عند أبي داود (5116). وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عبيّة الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب".
وجاء عند الإمام مسلم (2564) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" والنصوص الشرعية في هذا الموضوع أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر وهي من المعلوم من الدين بالضرورة.
وأما الاختلاف في أجناس الناس سواء في اللون أو في الطبائع، مع أنهم يرجعون إلى أصل واحد فهذه حكمة من الله أوجدها في بني آدم يظهر للناس بعضٌ من أوجهها، ويخفى بعضها الآخر. وقد جاء عند أبي داوود (4693) والترمذي (2955) وصححه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب".
فاختلاف بني آدم -على ضوء هذا الحديث- ناشئ من طبيعة الطينة التي خلق منها آدم عليه السلام. والإنسان لن يحاسب عن أصله أو عرقه فإن هذا قدّره الله في اختلاف الناس في ألوانهم وطبائعهم.
ولذلك كان المقياس في الإسلام للإيمان، ولم يكن للّون أو العِرْق بدليل أن الشرائع الإسلامية لم تأت فيها إي إشارة إلى معايير غير معايير الدين. ولم تكن معايير الجنس أو القبيلة أو العرق معترفاً بها في الشعائر الإسلامية، فكان مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا من الحبشة أسود، وكان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الأبيض والأسود، ومنهم المنتمي إلى قبيلة والمنتمي إلى غير القبيلة، وكلهم في ميزان الشريعة سواء.
ونبغ في العصور التالية لموت النبي صلى الله عليه وسلم علماء حملوا العلم والرسالة لم يكونوا من العرب، بل بعضهم يرجعون إلى أصول إفريقية سمراء كانوا محل تقدير واحترام من أقرانهم العلماء ومن الأمراء والخلفاء والذين لم يكونوا يصدرون إلا عن رأيهم.
وأما القول بأن العرب لم يتزوجوا من السود فهذا يكذبه الواقع والتاريخ.
وأما الوقوف في الصلاة فالأصل فيه أن الناس أمام ربهم سواء، لا فضل لأحد مهما بلغ على الآخر، ومازال الملوك والأغنياء يُصَلُّون بجانب الفقراء في صف واحد، ولم يكونوا يتفاضلون إلا بما يقرّ في قلوبهم من الإيمان والتقوى.
ولو وجد الأفارقة السود من التعليم ما وجده نظراؤهم من الشعوب لم يكن يشق لهم غبار في ذلك. فالأصل أن العقل والذكاء أعدل قسمة بين البشر، ولم يكن جنس من الأجناس يتفوق على الآخر بتركيبة عقلية خارقة، وإنما هو العلم. فمن تعلم وسلك سبيل العلم حصل على المطلوب، ويدل على ذلك أن كثيراً من الأفارقة السود تعلموا ونجحوا في الحصول على عالي الدرجات والمناصب، مع أنه يوجد أناس من البيض ما زالوا متخلفين يرسفون في قيود الجهل.
أما ما يشاع عن طبيعة السود من الأساطير فهذه مردها إلى ما بثه المستعمرون الأوائل في القرن الرابع عشر لما خرجت أوروبا من عزلتها، وبدأت تتطلع إلى السيطرة على مساحات أوسع وخصوصاً أثناء اكتشاف العالم الجديد والقارة الأمريكية. فقد استغل المستعمرون الأوائل القارة الإفريقية كمادة خام من البشر لتهجيرهم عبيداً إلى المستعمرات الجديدة؛ ليمارسوا العمل تحت ضغط العبودية والاستغلال، الأمر الذي جعل الرجل الأبيض، في وقتها يطوّر نظريته تجاه الرجل الأسود من أنه ما خلق الرجل الأسود إلا لخدمة الرجل الأبيض. وأن الرجل الأسود مخلوق يتصف بالنقص والدونية والتركيبة العقلية المختلفة عن الرجل الأبيض واستمرت تلك النظرة الدونية تروج في كثير من المستعمرات الجديدة وخصوصاً في أمريكا؛ لأن هذه النظرة كانت تخدم بالأساس ترويج استيراد العبيد من إفريقيا الذين سيتم تسخيرهم في خدمة وزراعة هذه الأرض البكر.
وأما في إفريقيا فلما جاء المنصّرون الأوائل إلى هذه الأرض الخصبة، أشاعوا بين أهلها أن الخطيئة التصقت بالرجل الأسود، وأنه من عمل الشيطان، وأنه لا خلاص لهم من الخطيئة إلا باللجوء إلى المسيح فهو المنقذ والمخلص لهم من اللعنة التي أصابتهم، والخطيئة التي لحقت بهم، وأنه سيتاح للإفريقي إذا اعتنق النصرانية أن يتحرر من اللعنة والخطيئة، وأن يرتفع عنه الجهل، وأنه سيكون في مصافّ الرجل الأبيض. وهكذا بدأ الترويج لمثل هذه الأساطير في مجتمع لا ديني وبعيد عن العلم؛ بغية الانحراف به إلى أغراض دينية واستعمارية؛ بغية السيطرة على البشر لخدمة ما ينادي به الرجل الأبيض من الحرية المزعومة!!
|
|
|