قصة ولا يوم الطين
هي اعتماد الرميكية .
كانت جارية لرميك بن حجاج الأشبيلي ، وكان تاجرا من مياسير إشبيلية ، فنسبت إليه وتولى تعليمها حتى برعت في الأدب وأضحت تنظم الشعر . وفي يوم كان المعتمد بن عباد ملك إشبيلية يتنزه مع وزيره ابن عمار على ضفاف نهر فأخذ المعتمد بمنظر الماء المتموج فقال:صـنـع الـريـح عـلـى الـمـاء زرد
طلب من ابن عمار - وهو شاعر - أن يجيزه ، فتوقف ابن عمار قليلا ،وكان على شاطئ النهر جوار يملأن الماء في جرار فقالت إحداهن
أي درع لـقـتـال لـو حـمــد
فأعجب المعتمد بذكاء تلك الجارية وبجمالها - وكان اسمها اعتماد - فاشتراها من سيدها وأعتقها ثم تزوجها وولد له منها : عباد الملقب بالمأمون وعبيد الله الملقب بالرشيد والملقب بالراضي وبثينة الشاعرة . كانت ملكة إشبيلية الأثيرة ، تحتل مكانة بارزة في حياة المعتمد ، وكانت لسمو مكانتها وتمكن نفوذها يطلق عليها اسم (السيدة الكبرى) ، وكانت تسرف في دلالها على المعتمد من ذلك أنها طلبت من المعتمد أن يريها الثلج ، فزرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا نور زهره بدت الأشجار وكأنها محملة بالثلج الأبيض ، ومن ذلك أيضا أنها رأت فلاحات يمشين في الطين في يوم مطر وهن يتغنين فرحات ، فاشتهت المشي في الطين ، فأمر المعتمد أن يصنع لها طين من الطيب فسحقت أخلاط منه وذرت بها ساحة القصر ، ثم صب ماء الورد على أخلاط المسك وعجنت بالأيدي حتى عاد كالطين ، فخاضته مع جواريها . وحدث أن غاضبها المعتمد ذات يوم ، فأقسمت أنها لم تر خيرا منه قط ، فقال لها : ولا يوم الطين ؟ وجرى هذا القول مثلا للمرأة تنكر على زوجها نعمته عليها . وقد أبغضها الفقهاء ورموها بأنها ورطت المعتمد فيما ورطته من الخلاعة والاستهتار والمجاهرة ، حتى كتب عليه أهل إشبيلية بذلك ورفعوها إلى ابن تاشفين أمير المسلمين ، ولم تكن هي لتلقي بالا إلى أولئك الرجال الذين بذلوا قصاراهم في إزالة ملك بني عباد ، ومضى المعتمد على حاله معها فلم يقصر في شيء يجلب السرور إلى نفسها ، وقد بلغ من إعزاره لها أن صنع أبياتا يبدأ كل منها بحرف من حروف اسمها (اعتماد) وهي
أغائبة الشخص عن ناظري
وحــاضرة فــي صميــم الفـؤاد
عليــك الســلام بقــدر الشـجون
ودمــع الشــئون وقــدر السـهاد
تملكــت منــي صعــب المــرام
وصــادفت منــي ســهل القيـاد
مــرادي أعيــاك فـي كـل حـين
فيــا ليــت أنـي أعطـى مـرادي
أقيمــي عــلي العهــد مـا بيننـا
ولا تســـتحيلي لطـــول البعــاد
دسســت اسـمك الحـلو فـي طيـه
وألفــت منــه حــروف اعتمـاد
اعتماد الرميكية
غالت في دلالها لما رأت من حب زوجها المعتمد لها وتفانيه في إرضائها. رأت ذات يوم الناس يمشون في الطين فاشتهت نفسها أن تمشي فيه مثلهم. وأبدت رغبتها هذه للمعتمد الذي أراد أن يصنع لها طيناً يليق بقدميها فأمر بسحق المواد التي يصنع منها الطيب، واكثر في ذلك حتى ملأ به ساحة القصر، ثم صبّ عليه ماء الورد وأراق كميات هائلة من العطور، وأمر الجواري بعجن ذلك بأيديهن حتى اصبح كالطين، ثم دعا الزوجة الحبيبة المغناج لتخوض كما شاءت، فأخذت تلهو وتلعب في هذا المزيج العجيب مع جواريها، وتحقق لها ما اشتهت نفسها. ثم كان يوم غاضبها فيه المعتمد فأقسمت بالله أنها لم تر منه خيراً قط، فقال لها معاتباً: ولا يوم الطين؟! فاستحيت واعتذرت ..