النية والعمل
إن كل عمل يعمله الإنسان لا بد له من نية وإلا كان تصرفه عن غير وعي منه والنية هي القصد , فلا يتصرف أحد بأي تصرف خارج عن معرفته ونيته إلا أن يكون نائما مستغرق النوم أو طفلا قاصرا أو مجنونا فاقد العقل أو سكرانا قد غطى الخمر على عقله فهو لا يعلم ما يقول ,أو عن سهو بغير قصد وقع منه , فهؤلاء كل ما يصدر عنهم من تصرفات فهي خارج عن أرادتهم , ولم يعمل هؤلاء الأصناف الخمسة من عمل ولهم فيه نية العمل , فمن شرط النية في الأعمال حضور العقل وإضمار الفعل والنية على تنفيذه متى ما شاء عند الاستطاعة , فإذا لم يفعل ما نوى فإننا لا نعلم بعقد نيته إلا إذا تحدث بها أو أقر بنيته , ويقول العلماء إن الفقه يدور على خمسة أحاديث أصولية ومنها حديث { إنما الأعمال بالنيات } وقيل حديث النية يدخل في ثلاثين بابا من العلم وقيل يشتمل على ربع العبادات.
ومن أعظم الأحاديث في النية حديث { إنما الأعمال بالنيات } , وهو حديث متواتر صحيح رواه عمر رضي الله عنه , فكل أعمال بني أدم مرتبطة بنيته حتى يتميز ما كان خالصا لله عز وجل وما كان لغير الله وبين الأعمال التي وقعت بقصد ( عمدا) وبدون قصد (خطأ ) أو في حالة سهو , فمثلا من الناس من يقاتل حمية ومنهم من يقاتل شجاعة ومنهم من يقاتل خالصا لله مجاهدا في سبيل الله ولا يميز بينهم إلا النية ولا يعلمها إلا الله , ومن جنايات القتل ما يقع عمدا ومنه ما يقع خطأ , ولا يصح التلفظ بها في العبادات إلا في الإحرام بالعمرة أو الحج وعند إخراج الزكاة وفي غيرها لا يلزم وفي كثير من المعاملات هي شرط كالبيع والشراء والطلاق والرجعة والعتق والوصية وغيرها من العقود .
فإذا عزم المسلم على عمل فقد نوى وإذا تكلم به فقد أظهر نيته وعزمه ولكن لا يحاسب حتى يفعل أو ينطق فإذا فعل ذلك فقد ثبت العمل إما له أو عليه , فلو أضمر الإنسان نية طلاق زوجته فهنا ثبتت النية عند صاحبها ولا يعلم بها أحد إلا الله وإذا حدث بها أحد من الناس بما نوى فقد أظهر النية للآخرين وخرجت من حالة الكتمان إلى حالة العلن وإذا طلق وقال لزوجته أنت طالق فقد وقع العمل الذي سبقته النية وصح فعل الطلاق .
فالطفل لا يعرف معاني الألفاظ ولا يعرف فيما تستعمل ولا يسبق عمله نية عمل مضمر , وتقع منه أفعال كثيرة بدون قصد أو نية فهو لا يحاسب من أهله حتى يبلغ سن الفهم والمتعارف بين الناس فقد يفهم الصغير في سن السادسة فيحاسبه أبواه للتأديب فقط وأخر يقع فهمه في العاشرة ولكن يضل قاصرا في المحاسبة الشرعية حتى يبلغ .
والنية نوعان نية قديمة ونية حديثه طارئة , فالنية القديمة التي أضمرت بزمن قبل الفعل وتكون أصل للنية الجديدة الحادثة إن كانت من جنسها ,كمثل إن نويت بالصدقة بمائة ريال ثم عند وأثناء إخراج الصدقة أمام الفقير أخرجت مائتان بدل المائة ووضعتها في يد الفقير فقد تبدلت النية في الحال عن النية القديمة محبة في زيادة العمل الصالح فهي امتداد للنية القديمة وزيادة عليها , وقد تكون زيادة عليها في العمل أو نقص ولكنها من جنسها أي قد تعطي مائتان وقد تنقصها إلى خمسين , وقد تكون النية الطارئة منفصلة عن النية القديمة حيث أنك قد تعطيه المائة التي نويت بها ثم تعطيه كيس طحين كان معك في السيارة لم يكن في النية أن تعطيه , فهذه النية الجديدة طارئة ومنفصلة عن جنس النقود , فكلها أعمال تحتسب عند الله إذا أخلص فيها العمل وهي من الزيادة في الخير.
ومن الأعمال العظيمة التي تتجلى فيها النية ويجب إظهارها والتلفظ بها الشهادتين عندما يريد غير المسلم الدخول في الإسلام فلا بد من أن يتلفظ بنيته ويعلن دخوله في الدين الجديد.
فلا يكاد عمل يخلوا من النية وهي تميز بين الفرائض والنوافل في العبادات كصيام رمضان وصيام التطوع وصدقة الزكاة وصدقة التطوع والهدية , فلكل من هذه العبادات نية تميزها في صحيفة الأعمال , وكذلك صلاة الفرض وصلاة النافلة فلا يصلح أن تصلي الفريضة بنية التنفل خلف الأمام فلا يحتسب لك إلا نافلة , فلا بد أن تؤدي الفريضة بنية الفريضة والنافلة بنية النافلة وهذا عمل قلبي , وتحسب لك على ما نويت , ولكن بعض الأعمال لها نية عامة كأن تتوضأ بنية الطهارة فقد تصلي بهذا الوضوء أو تقرأ القرآن وربما تصلي به عدة فرائض ونوافل بوضوء واحد ونية واحدة ما لم ينتقض , نخلص من ذلك أن النية مصاحبة لكل عمل مقصود وهو على ما نواه العبد , فقد يقصد بعض العامة من الحلف بالطلاق الحلف المجرد لمنع شيء أو فعل شيء وقد يقصد به الانفصال فتكون النية على مراد القائل ومقصوده من العمل والحمد لله رب العالمين.