02-01-2010, 11:49 AM
|
#1
|
تاريخ التسجيل: Jul 2008
الدولة: الرياض
المشاركات: 10,079
معدل تقييم المستوى: 116
|
للبيع : أراض في الجنة
للبيع : أراض في الجنة
خلال القرون الوسطى ، سمع أحد المرابين اليهود بأن البابا يبيع صكوك غفران وأراض في الجنة ، فأقسم ألا يفوت هذه الفرصة وأن يستغل حالة الجهل والخوف والفوضى التي كانت تحياها الشعوب الأوروبية آنذاك ، وقرر شراء صكوك للجنة من البابا ، على أن يحتفظ بها فترة ثم يبيعها بعد ذلك بسعر أعلى ، إلا أن البابا وهو المالك الوحيد لهذا المخطط رفض البيع له لأنه يهودي الديانة ، وعقيدته ( أي البابا) التي يعرف الناس بها بأن اليهود مغضوب عليهم ، فلو باع له أرضاً لعلم الناس أنه مخادع ونصاب ، فكر اليهودي قليلاً وقال في نفسه بأن الذي يصدر صكوك ملكية للجنة فلا ريب أنه يصدر صكوك ملكية للنار ، ثم عرض على البابا شراء صكوك النار جميعها في ذات المخطط ، ففرح البابا ووافق على الفور( وقال في نفسه : ياله من يهودي مغفل )، فلما علم الناس بأن صكوك النار قد ابتاعها اليهودي جميعها رأوا بأنه لا داع لأن يشتروا صكوكاً للجنة لأنهم سيدخلونها مباشرةً أو لن يدخلوا النار على الأقل، فأُسقط في يد البابا وخسرت الكنيسة وفهم ما خطط له ذلك الرجل ، فعاد مرةً ثانية واشترى صكوك النار من اليهودي بثلاثين ضعف سعرها الأول ...
لا حظوا بأن الفوضى والجهل وانتفاء المحاسبة جعلت الناس بين مطرقة البابا وسندان اليهودي المرابي ...
أيها السادة حين يغيب القانون وتختفي الرقابة وتهتريء الأنظمة تصبح البلاد مرتعاً للفساد الإداري والمالي ، و أسوأ من ذلك أن توجد الأنظمة بلا تطبيق وتسن القوانين بلا محاسبة أو توجد رقابة انتقائية تستهدف الصغار و تهمل الكبار ، لأن ذلك سيشرع للفساد ويغطيه ويقويه ويُكسبه الهيبة ويصير القانون جبهة صد بدلاً من مواجهة ...
ولذلك تجد في دول العالم الثالث العديد من المفارقات ، فقد تجد لصاً يحاسبه لص أكبر منه ، وقد تجد اللجان المكافحة للفساد تحتاج إلى لجان أخرى حقيقية مكافحة للفساد !. كما أن لصوص المال العام قد طوروا أساليبهم ، مستغلين ثغرات واضحة في أنظمة مهترئة وغير واضحة ، وصاروا محترفين بعد أن كانوا هواة يسرقون برشوة هنا أو تزوير هناك ، لأن لصوص المال العام كالبكتيريا يكتسبون مناعة ومقاومة للأنظمة مع كثرة استخدامها، ولذلك فلا يمكن أن تجد هدراً للمال العام في أي جهة كانت مالم يغطيه القانون و النظام، بل الذين يسرقون بلا غطاء سيكونون مثار سخرية وتندر وشماتة للكبار . إذ المبتدئون وحدهم الذين يسرقون مباشرة ولا يهيئون لأنفسهم أرضية قانونية يرتكزون عليها فيما لو انكشف أمرهم ، ولذلك فهم غالباً ما يكونون كبش فداء ، وشماعة يعلق عليها الحيتان الكبار تجاوزاتهم ، كما أن اصطيادهم هو مصدر الفخر الوحيد للحراس المفترضين للمال العام ، كديوان المراقبة العامة والمباحث الإدارية وهيئة الرقابة والتحقيق وغيرهم ، ولا يجد الفساد الإداري والمالي تربة أكثر خصوبة من التربة المعروفة بالتعتيم وتكميم الأفواه وإخراس الألسن ، والتي تتميز غالباً برقيب جاهز يحمل بيده مقصاً يمرره على كل سطر فيه تعرية للفساد ،مدعياً أنه يحمل من الأخلاق مالا يسمح له بتعرية أحد أو كشف خصوصية أحد ، وما علم أن تبعيته حجبت عنه الرؤية فما عاد يميز بين تعرية الأجساد وتعرية الفساد ، ولم يعد يفرق بين الخصوصية والشراكة ، لأنه ببساطة نتيجة للفساد وأثر للاستبداد ...
فإن لم تحدث الأنظمة ، ويصحو ديوان المراقبة ، وتقوم المباحث الإدارية بدورها ، فإنني أخشى أن يصدر لصوص المال العام صكوك ملكية للهواء، أو يبيعوا أهرامات القاهرة ، ولربما حولوا بحيرة المسك في جدة إلى مخطط جديد ! ...
شافي بن عايد الوسعان
كاتب سعودي
__________________
[SIGPIC][/SIGPIC]
|
|
|