21-07-2011, 07:07 PM
|
#7
|
تاريخ التسجيل: Jun 2011
المشاركات: 92
معدل تقييم المستوى: 13
|
ومضى وولتر يقول:
(وهذا القول النزر - القليل - مني يكفي لتفنيد كل ما ذكره لنا مؤرخونا وخطباؤنا، فارتكزت في ضمائرنا الأوهام الباطلة والأراجيف المتوارثة بشان الإسلام والمسلمين، ومن الواجب أن يدحض الباطل بالحق).
ولنذكر دائماً هذه الحقيقة التاريخية، وهي:
إن المشرع((المشرع هو الله وحده )) الإسلامي محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان ذا يقين راسخ وقوة عزم هائلة، فأقام دينه ببسالة وثبات جنان، ثم فيما بعد ظهر الدين الإسلامي بشفقة وسماحة لم تعهد من غيره). وفي الختام قال وولتر:
(ومن الغريب المشاهد أن مؤسس الدين النصراني -عيسى (عليه السلام)- كانت حياته كلها خضوعاً واستكانة ومسالمة، وكان يأمر بالتجاوز عن ا لزلات، والحال أن ديانته اللينة صارت بحماقتنا وبغينا (يريد النصرانيين) ابعد الأديان عن السماحة، وأقربها للقساوة والطغيان).
نقول: وهنا انتهى ما قاله الفيلسوف الأديب وولتر حول محمد (صلى الله عليه وسلم) وحول دينه الإسلام من تصريحات، ولكنها كما ترى ناشئة عن التحقيق والفهم العميق، ولا سيما قوله: (وليس بصحيح ما يدعى من أن الإسلام استولى قهراً بالسيف.. إلخ)
إلا أن قوله: (.. لم يكِّون هذا الشعب الإسلامي إلا للتناسل والعبادة والجهاد) تعبير ناقص، فإن هناك أغراضً سامية من تكوين الشعب الإسلامي الا وهي: ليكون أمة تنظر إلى سائر الأمم نظرة الأخوة بين بني آدم وحواء، وتريد لها الخير وترشدها نحو طريق الخير، أمة تقوم بإصلاح المجتمع الإنساني في كل شؤونه الحيوية، أمة تقوم بتطوير الحياة البشرية إلى حياة أفضل، أمة تقوم بنشر العلوم والمعارف في ربوع هذا العالم، أمة تقدم رجالاً لخدمة البشرية العامة ولصالح الإنسانية العام وذلك في جميع شؤونها العلمية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا سيما في توجيه الإنسان نحو الإيمان بالله وحده ونحو المثل العليا التي ترفع مقامه من حضيض المادية إلى ذرورة الروحانية التي تمتعه بسعادة الدارين، أمة تساهم في عمران الدنيا في شتى نواحيها وتسوقها إلى حضارة جديدة غير مسبوقة ومدنية لم ير مثلها في الحياة، أمة تمثل الأخلاق العالية والخصال الكريمة في جميع أدوارها، لتكون فيها اسوة حسنة لسائر الأمم في هذا الكون، أمة تصنع للحياة الإنسانية قوانين تستمد أصولها من الوحي السماوي وتتكفل السعادة الابدية.
هذه هي جملة من الأغراض السامية لتكوين الشعب الإسلامي العظيم الذي كونه محمد رسول الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وسلم)، وقد قام بتنفيذها عبر القرون ويقوم ما دام في ساحة الحياة إلى انقراض الدنيا، وبهذا أصبحت أمة رافعة الرأس، ومرهوبة الجانب لدى الامم، وقد سجلها التاريخ بأحرف ذهبية في صفحاته الخالدة، واعترف بأنها حقاً أمة كما وصفها ربها سبحانه في كتابه المجيد حيث خاطبها وقال: (كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
ثانياً: نرى من واجبنا أن نقدر كل تصريحات الفيلسوف في هذا الباب وأن نبين الحقيقة حيال قوله:
(فالسنن التي أتى بها محمد كانت كلها – ما عدا إباحة تعدد الزوجات- قاهرة للنفس ومهذبة لها).
نقول: يظهر أن الفيلسوف وولتر، لم يحقق موضوع تعدد الزوجات فيما اتى به محمد (صلى الله عليه وسلم) من السنن، وإنما نظر إليه سطحياً فأخطأ في اثر النظر، الحقيقة هي أن تعدد الزوجات لم يكن تشريعاً جديداً من الدين الإسلامي،لأن التعدد كان أمراً شائعاً في الجاهلية، فكان من حق الرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء بدون تحديد عدد حسب اقتداره المالي، ويطلق منهن ما يشاء، بدون مبرر للطلاق ليبدلهن بزوجات أخر، بحيث كان الزواج تابعاً لهوى الرجل، لا يوجد له قانون مانع أو امر سماوي رادع، فجاء محمد بن عبد الله بالدين الإسلامي وقام عن طريق الوحي بإصلاح المجتمع في ناحية تعدد الزوجات، كما قام بالإصلاح في سائر النواحي لحياة المجتمع الإنساني.
فقد قضى على تعدد الزوجات، الغير محدود عدده، قضاء بحكم قطعي، حيث حدد تعدد الزوجات، مثنى وثلاث إلى رباع مع أنه اشترط للزواج فوق الواحدة، العدل بين الزوجتين و الزوجات في المبيت والمسكن والمأكل والملبس وغيرها من شؤون بيت الزوجية، أما إذا خاف الرجل عدم اقتداره العدل، فلا يجوز له أن يزيد على الواحدة.
وحرم الإسلام على الرجل أن يتزوج فوق أربع زوجات مهما كان له اقتدار من ناحية المال، حتى إن رسول الإسلام محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) أمر ابن عمر غيلان بن سلمة الثقفي عندما أسلم وله عشر نسوة تزوجهن في الجاهلية، وقد أسلمن معه، أمره أن يختار منهن أربعاً ويخلي سبيل الباقيات يتزوجن بمن يردن زواجهم، كما أمر قيساً بن الحارث بعدما اسلم وله ثمان نسوة، أن يختار منهن أربعاً كذلك ومن هنا يعلم أن الإسلام لم يكن بادئاً في تشريع تعدد الزوجات، بل قام بالإصلاح الاجتماعي في هذه المسألة الحيوية مما يستحق كل إجلال.
أما تقرير الإسلام لبقاء التعدد إلى أربع زوجات فله أسبابه التي تبرر الإبقاء وربما تقتضي ظروف الحالات الاجتماعية تعدد الزوجات:
أولاً: إن الرجال في أغلب الأحوال لا يردعهم عن المضي في حب النساء رادع، ولا ينفعهم من الناصحين ناصح، وحتى أن العقوبات أيضاً لا تفيد في كبح شهواتهم النفسية، ولهذا يقعون في كثير من الحرج وفساد الأخلاق مع ضياع العمر والمال في سبيل الحرام، ففي إبقاء التعدد المحدد المشروط حكمة بالنسبة لأولئك الرجال حيث يكون من حقهم أن يتزوجوا فوق الواحدة،ن حتى لا يقعوا في الحرج والفساد وضياع العمر والمال في سبيل الحرام.
مع أن أولئك الرجال لا يضرون أنفسهم فحسب بالاندفاع نحو الشهوات وتمتيع النفس بالحرام (بالسفاح) بل يفسدون من يقع في شبكتهم من الفتيات والنساء، يستمتعون منهن استمتاعاً غير شرعيين إلى وقت، ثم يتركونهن، وقد تعودن على عرض جمالهن على الرجال وبيع أعراضهن، مما يؤدي إلى فساد، و(حتى) اختلال أمن وفتنة وجرائم في المجتمع. وفي إبقاء تعدد الزوجات سد (ولو إلى حد) أمام هذه الموبقات.
ثم إن النساء اللاتي أصبحن وسيلة لتسلية أولئك الرجال، يصبحن محرومات من كل شروط الحماية والحقوق الشرعية، ولا يستطعن من مطالبتها أمام القضاء، فيعشن في مجتمع الحياة، وقد سقطت كرامتهن الجنسية إلى حضيض النسوة العاهرات والمجردات عن الحقوق الاجتماعية.
وفي إبقاء تعدد الزوجات، حماية للنساء ورعاية لعدد كثير منهن.
هذا - ثم إنه بمقتضى الطبيعة، ورغم الحذر والالتجاء إلى موانع التناسل يولد أولاد (بناتاً وأبناء) غير شرعيين يلقون هنا وهناك، وليس لهم من يعولهم، لأنه لا آباء لهم، وإنما يقعون عالة على الحكومة ويكلفونها مبالغ لو صرفت في سبيل الخير لعاد بالخير.
وفوق ذلك يبقى في جباههم عار لا يقدرون إزالته، وتستمر طول الحياة في ضمائرهم وخزته المؤلمة، ولا سبيل للمعالجة والتخلص وفي إبقاء تعدد الزوجات تخفيف لهذه المصيبة وحماية النسل الإنساني الشريف.
|
|
|