ضبط مستشار بأمانة جدة.. والتحقيق مع 50 متورطا في “كارثة السيول” والفيصل: الاحترازات الحالية لدرء السيول مسكنات والحل الجذري لم يبدأ بعد
واصلت الجهات الأمنية في محافظة جدة التحقيق مع عدد من الموقوفين الذين تم ضبطهم واستدعاؤهم خلال الايام الماضية من عدة جهات حكومية وأهلية، على خلفية قضايا فساد اداري متنوعة يشتبه بتورط بعضهم فيها ومنها مشاريع مياه وتصريف سيول وتخطيط وتراخيص بناء ومشاريع خدمية أخرى. وتجاوز العدد 50 شخصا بينهم مسؤولون في أمانة جدة وادارة المياه ومقاولون ورجال أعمال ومتقاعدون. و اشارت مصادر الى اطلاق سراح بعضهم بعد استكمال التحقيق معهم واستجوابهم حول القضايا التي كان يشتبه بتورطهم فيها. وترددت أنباء عن القبض أمس على مستشار في أمانة جدة وبعض مراقبي التعديات. وزار فريق من لجنة التحقيق مقر هيئة الاحياء وحماية البيئة للاطلاع على الآليات والاجراءات التي تم اتخاذها للتحذير من السيول والامطار والتحذيرات المناخية وطرق تعميمها على المواطنين والجهات المعنية. فيما ذكرت أنباء ان مجموعة من الموقوفين لا علاقة لهم بكارثة سيول جدة وان امارة المنطقة قد رصدت في وقت سابق عدة ملاحظات ومخالفات وتجاوزات وتساهل في أداء عدد من الجهات الحكومية في محافظة جدة وتم استدعاؤهم بعد استكمال الادلة والبراهين التي تدينهم في تلك التجاوزات.
كشفت مصادر مطلعة أن وزارة الشؤون البلدية والقروية قد سلمت لجنة تقصي الحقائق ملفات المشاريع التي نفذت بمدينة جدة منذ عام 1370هـ كما تم الاستعانة بعدد من المهندسين بالوزارة لفرز هذه الملفات وتقديم تقارير حول هذه المشاريع. واوضحت المصادر انه منذ تشكيل لجنة تقصي الحقائق في سيول جدة تم تجنيد 15 موظف بوزارة الشؤون البلدية والقروية للقيام باخراج جميع ملفات المشاريع من ارشيف الموزارة والتي نفذت بمحافظة جدة منذ العام 1370هـ الى الان والتي تم اعتمادها من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية ونقلها الى مدينة جدة مقر لجنة التحقيق. واسعانت اللجنة بمهندسين من وزارة الشؤون البلدية والقروية للقيام بدراسة هذه المشاريع وتقديم تقرير مفصل عنها.
من جهة أخرى اكدت مصادر بشركة الكهرباء عن قيام الشركة باعداد ملفات كاملة عن المنازل التي تم ايصال الكهرباء اليها حيث تم تصوير جميع الملفات المتعلقة بذلك والموافقات التي صدرت من امانة محافظة جدة بايصال الكهرباء لهذه المنازل لتسليمها للجنة تقصي الحقائق في حاله طلبها ذلك.
من ناحيته كشف أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، أن لجنة تقصي الحقائق في "فاجعة سيول جدة" والتي تعتبر في حال انعقاد مستمر حتى يسلم تقريرها لمقام خادم الحرمين الشريفين، وأنها فتحت بالفعل ملفات إرشيفية تخص "الفساد الإداري والمالي" في جدة منذ عقود ماضية، دون أن يضع حداً أدنى لحقبتها التاريخية، ومشددا على أنه "لا تهاون في كل ما يتعلق بصنع مسبباتها".
وشدد الفيصل على أن كل العناصر والملفات المتعلقة بأسباب هذه المأساة والفاجعة التي تعرضت لها جدة سوف تغطى ويحقق فيها، مضيفا "كل من يلزم سير التحقيقات استدعاؤه والاستفسار منه ومساءلته سوف يكون ذلك، ولا تهاون في كل ما تعلق في صنع مسببات الفاجعة".
وأفصح أمير مكة، الذي كان يرد على أسئلة الوفد الصحفي، المتنقل معه خلال جولته التفقدية لأعمال رفع الضرر ووضع الحلول العاجلة في أحياء شرق وجنوب جدة، عن أن هناك المزيد من الأشخاص، سواء من جهات حكومية أو خاصة، منتظر أن يتم استدعاؤهم أو إيقافهم لصالح التحقيق خلال الأيام المقبلة"، مضيفا "نحن لا نزال في الأسبوع الرابع، وسوف نعمل على جمع كل الحقائق، ومن ثم نرفع بها إلى ولي الأمر ليوجه بما يراه".
وأكد أمير منطقة مكة المكرمة أمس، أن كل الإجراءات الاحترازية التي تعمل على تنفيذها جهات الاختصاص لدرء مخاطر السيول، ليست إلا مسكنات وحلول مؤقتة، أما الحل الجذري فإنه لم يبدأ بعد.
إعادة تخطيط
وقال في نهاية جولة تفقدية شملت الأحياء المتضررة شرقي جدة والسد الاحترازي لدرء مخاطر بحيرة المسك إن ما نراه اليوم مسكنات وحلول عاجلة لتفادي السيول في الأيام والشهور المقبلة، لكن الحل الجذري للمشاكل لم يبدأ حتى الآن، نجمع العديد من الدراسات التي عملت، رغم أنها لم تنفذ، وذلك من أجل اختيار الحل الأنسب. وقال ستتم إعادة تخطيط كل الأحياء الواقعة شرق الخط السريع.
ورفض الفيصل ذكر عدد الموقوفين على ذمة التحقيق في فاجعة سيول جدة، لكنه أكد أن بعضا منهم لا يعملون في القطاع الحكومي، وأن البعض منهم يتم إخلاء سبيله بعد أخذ ما لديه من أقوال.
حل جذري لمشكلة السيول
وأضاف "سوف نخرج بحل جذري لمشكلة السيول في جدة، ومشكلة المنطقة الواقعة شرق جدة بمحاذاة طريق الحرمين، والتي معظمها عشوائي ولم تخضع لدراسة وهي عبارة عن اعتداءات على الأراضي وإحياءات طبقت عليها صكوك، وكلها تحتاج لإعادة تقييم ودراسة ووضع مخطط لها والعمل على تنفيذه بكل جدية".
وشدد على أن الحل الجذري يتم من خلال عمل دراسة كاملة وشاملة لشرق جدة تكون مرتبطة بالمخطط الرئيسي للمدينة، تشمل تصريف مياه السيول والأمطار والصرف الصحي، ولكن يجب الإسراع والإتقان في التنفيذ والمتابعة والإشراف على الشركات المنفذة، وأي عوائق سوف تزال وكلها محل اهتمام.
وعن وضع الرقابة على المشاريع الحكومية بعد وقوع الكارثة، قال "سوف تكون أشد والمتابعة أفضل".
الموكب يتوقف
وأثناء تجول الأمير خالد الفيصل في حي الصواعد شرقي جدة وبرفقته محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد وأمين جدة المهندس عادل فقيه، استوقف الموكب عدد من سكان الحي ليشتكوا له سوء حال الحي وغياب عمال النظافة الذين لم يظهروا إلا في مساء اليوم السابق لجولة الأمير.
وطمأن الأمير سكان الحي بأنه جاء تنفيذا لأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي العهد الأمين وسمو النائب الثاني، وأن القيادة عاقدة العزم على قطع دابر الفساد.
وقال "حضرنا لنتفقد، وسوف نؤكد على جميع الملاحظات التي رصدناها أو تلك التي سمعنا بها من قبل المواطنين". وقال مخاطبا السكان "كبيركم بالنسبة لنا أب، ومتوسطكم في العمر أخ، وصغيركم ابن لنا".
واستمر الحديث بين أمير منطقة مكة المكرمة وسكان الحي نحو تسع دقائق، ولم يمنعهم أحد من بث شكاواهم التي استمع لها الأمير بإصغاء واضح، وبدا بشكل جلي أن السكان مستعدون لهذا اللقاء إذ تجمع العشرات منهم فيما تحدث باسمهم اثنان من السكان واللذان أظهرا فصاحة في اللسان.
مشروعات قيد التنفيذ
وانتقل الأمير خالد الفيصل بعد ذلك إلى مشاريع لا تزال قيد التنفيذ ومنها مجرى السيل الذي يبدأ من شرق كوبري بريمان وينتهي إلى البحر، ثم انتقل إلى السد الاحترازي الثالث لبحيرة المسك "سد السامر" حيث أمضى هناك 34 دقيقة استمع خلالها إلى تفاصيل دقيقة عما تم إنجازه وتفاصيل أكثر دقة عن كل الاحتمالات التي يمكن أن تحدث في حال هطول الأمطار مجددا على جدة.
ما بني على خطأ يجب أن يصحح
ولدى وقوف الأمير خالد الفيصل فوق السد الاحترازي، قال في إجابته على سؤال أحد المواطنين "ما بني على خطأ يجب أن يصحح.. المشكلة أن إصلاحه أصعب من لو أننا بدأنا بداية من الصفر، نحن الآن نبدأ على أخطاء سبق وأن ارتكبت ولا بد أن نصححها ونعالجها وهذه تأخذ مدة أطول لكن لابد أن تصحح ولابد أن نتلافى ما ارتكب من أخطاء الماضي".
وزاد بقوله "من الآن وصاعداً لابد أن يكون كل شيء مدروس، كل شيء معتمد وكل شيء نظامي، لن نسمح بالعبث ولن نسمح بالاستيلاء على الأراضي دون حق، هذه لابد أن تعرفوها، وأملاك الدولة لا يجب أن يتعرض لها أحد بأي عذر كان والاستيلاء عليها والسيطرة على الأراضي، يجب أن يتوقف سواء بقصد إحياء أو بأي قصد آخر.. لم يعد مقبولا من اليوم فصاعداً".
وتلقى الأمير بحرص ملاحظات فنية من قبل مسؤول عسكري تابع لإدارة الدفاع المدني حول السد الاحترازي الجاري عمله، الذي شدد على أهمية كسوة السد بمادة خرسانية صلبة، لتلافي ضغط المياه، الذي يمكن أن يمثل خطرا على السد في أسوأ الظروف، خاصة أن السد يقع بين جبلين.
وأحال الأمير سؤال وفقا لـ "الوطن" حول مدى جدوى الحلول العاجلة الثلاثة التي أقرها المقام السامي كمشاريع طارئة لتلاشي أي خطر ينتج عن تسرب "بحيرة الصرف الصحي" في شرق جدة، بقيمة تجاوزت الـ 100 مليون، إلى أمين جدة المهندس عادل فقيه، الذي قال بدوره "المشاريع التي أقرت انتهت بالكامل ونفذت، مفصلا جدوى تلك المشاريع".
وقال فقيه "نحاول أن تكون كل المشكلات تحت السيطرة لكن التوفيق بيد الله، ولا نستطيع أن نؤكد الآن أنه لو جاء سيل كبير في جدة، ماذا سيحدث؟ لكن نستطيع أن نؤكد لكم أن كل الجهود بذلت بقدر أقصى من الإمكانيات المتاحة".
اهتمام رأس الدولة
وهنا عاد الأمير خالد الفيصل بالقول "ما نؤكد عليه أيضاً أن هناك دراسة سوف تقدم لولي الأمر عن حاجة جدة من مشاريع لتلافي الأخطار في المستقبل، واهتمام خادم الحرمين الشريفين ليس له حدود".
وقال "الجميع تأمل المقدمة التي في نص الأمر الملكي والتي فيها دلالة واضحة على اهتمام رأس هذه الدولة بحاجات المواطن وتلافي هذه الأخطار، وعمل جميع ما يلزم، لتلاشي حدوثها مرة أخرى".
مزيد من الموقوفين
وفي رد على استفسار طرحته "الوطن"، قال الأمير خالد الفيصل "انتظروا مزيدا من الموقوفين خلال الفترة المقبلة"، وذلك في إطار تحقيقات لجنة تقصي الحقائق، التي لا تزال تعمل في أسبوعها الرابع منذ تشكيلها بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
معلومات قبل الفاجعة
وأوضح في هذا الخصوص أن لدى إمارة مكة المكرمة معلومات بشأن وجود فساد في بعض الأجهزة الحكومية قبل فاجعة السيول، وهو الأمر الذي سهل مهمة لجنة تقصي الحقائق.
وقال إن من مهمات وصلاحيات الإمارة المتابعة والتقصي عن سير المشاريع، وهذا ما كنا نفعله، وكنا محضرين تقارير كثيرة وملفات كبيرة، على بعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية، مؤكدا أن تلك الملفات والتقارير كانت من الوسائل الجيدة التي ساعدت لجنة تقصي الحقائق في اتخاذ قرارات سريعة.
وحول عدد الموقوفين وتباين الأرقام الواردة في الصحف، قال "أوقف عدد من المسؤولين في أجهزة حكومية وأخرى غير حكومية، وما زلنا نتحفظ عليهم للتحقيق، والعدد في تباين، هناك موقوفون يطلق سراحهم بعد الفراغ من استجوابهم".
وأبان أن لجنة تقصي الحقائق لا تزال تجمع المعلومات، ولا تزال تستفسر من بعض الشخصيات والمسؤولين سواء في القطاع الحكومي أو الخاص"، مضيفا "نحن في الأسبوع الرابع، نحن لجنة تقصي الحقائق، سوف نجمع كل الحقائق ونتقصاها، ونرفع ما وجدناه لولي الأمر، بعد ذلك يصدر التوجيه بما يراه".
عدد من طلاب المدارس يقفون لتحية سموه
أسماء الموقوفين
وحول إعلان أسماء المتورطين وإمكانية توصية اللجنة بذلك، اكتفى الأمير خالد الفيصل بالقول "تعرفون التوصية"، في إشارة منه إلى أن التحقيقات جارية والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، ملمحا إلى أن ما نشر في الصحف من وصف لطبيعة أعمال ومراكز من أوقفوا بأمر لجنة التقصي، يكشف بشكل غير مباشر أسماء بعض الموقوفين".
حول وزارة المالية
وفيما يخص اعتمادات وزارة المالية، قال أمير منطقة مكة المكرمة "نحن الآن في تواصل واتصال مستمر مع وزارة المالية لصرف الاعتمادات في أسرع وقت ممكن، وكذلك نتواصل مع المالية لصرف الإعانات السريعة، وسوف يتم في الأيام المقبلة".
مشاهد
• رافق الأمير خالد الفيصل في الجولة التي بدأت باكراً من الساعة التاسعة صباحاً، محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد، وأمين جدة عادل فقيه، فيما لم يشاهد من مديري الإدارات الحكومية غير العسكرية، سوى مدير إدارة الطرق والنقل مفرح الزهراني.
• الجولة شملت كافة الأحياء المتضررة، ودخل أمير المنطقة من أقصى الجنوب، عند مخططات الكيلو 11 من عند طريق مكة القديم، وتتابعت الجولة، على كافة الأحياء حتى العودة للخط السريع والمرور من شارع "جاك" الشهير.
• توقف الأمير خالد الفيصل عند أكثر من تجمع للأهالي في منطقة الجنوب واستمع إلى شكاواهم وملاحظاتهم .
• في وقت كانت سيارة الأمير خالد متوقفة على مرتفع منطقة العمل عند السد الاحترازي الجديد، وحين المغادرة، وفي لحظة كان عادل فقيه في المقعد الخلفي، هم الأمير مترجلا بالنزول مع المنحدر، وأشار للسائق بتهبيط السيارة، وقال مازحاً "لتذهب بمن فيها".
• وقف الأمير خالد الفيصل عند أكثر من منطقة عمل خلال الجولة، أبرزها مشاريع قنوات التصريف واستمع لشروحات المسؤولين، وأسمعهم العديد من الملاحظات.
• العديد من المنازل المتوزعة في أقصى جنوب جدة خلف قويزة، وهي الأكثر ضررا، حيث منطقة السيل الأولى الآتي من الجبل، بمجرد الوقوف فيها ومشاهدة مآذن المساجد بين استراحة أو منزل، تعطي دلائل على عمليات التعدي .