كثيرا ما نسمع من أصحابنا بعض العبارات التي تقال في موقف معين نعرف معناها و ندرك مغزاها العام من غير أن نعرف أصلها اللغوي كيف قيلت ؟ و لماذا قيلت ؟ بعض هذه العبارات قالها أصحابها و صارت أمثالا دارجة على الألسنة و بعضها الآخر كثر استعمالها و لم يرق الى درجة الطائفة الأولى و كلا النوعين يستعمله العامة و الخاصة .
و هذه مجموعة من المقولات مع أصولها :
1- قولهم " لله درك " يقال على سبيل المدح و التعجب و أصل هذه العبارة أن الرجل إذا كثر خيره و عطاؤه قيل له لله دره .
فشبهوا عطاءه بدرّ الناقة للبنها ثم توسعوا في استعمال هذه العبارة فصاروا يطلقونها على على كل ما يتعجب منه ... و ذكر بعض أهل اللغة في أصلها أن رجلا رأى آخر يحلب إبلا فتعجب من كثرة لبنها فقال : لله درك .
2- و منه قولهم " ثكلتك أمك " أي فقدتك أمك .. و الثكل عند العرب معناه : الموت و الهلاك أو فقدان الرجل و المرأة ولدهما والمرأة الثكول هي التي فقدت ولدها أما الرجل فقالوا عنه ثاكل أو ثكلان .
3- و من ذلك قولهم " كل فتاة بأبيها معجبة " ..... و هو مثل يضرب في إعجاب الرجل برهطه و إن كانوا غير أهل لذلك ....
و ينسب هذا المثل لامرأة من بني سعد يقال لها العجفاء بنت علقمة السعدي خرجت مع أتراب لها فذكرت كل واحدة أباها بخير فقالت العجفاء ذلك ثم ذكرت أباها بخير مع أن أباها علقمة كان جبانا بخيلا .
4-و من ذلك قولهم " فلان له علي أياد بيضاء " يريدون أنه له فضلا علي فمن معاني اليد في اللغة النعمة و الفضل و هذه اليد المقصودة هنا التي لا تمن بل تعطي من غير سؤال و ذلك لشرفها .
5- و من ذلك قولهم " سبق السيف العذل " و هو مثل يضرب لا قد فات و لا يقدر رده و أصل ذلك أن الحارث بن ظالم ضرب رجلا فقتله فأخبر بعذره فقال : سبق السيف العذل أي اللوم .
6- و من ذلك قولهم " حياك الله " أي أبقاك الله و قد يعطفون عليها لفظة " بياك " بتشديد الياء فتصير العبارة " حياك الله و بياك " فإما أن المعنى أبقاك الله و الفعل " حي " من الحياة و إما هو من استقبال المحيا و هو الوجه و قد سئل المازني عن حياك الله فقال : عمّرك الله و قيل أصلحك الله و قيل قربك الله ..
أما بياك فقد قال الأصمعي : أن معناه أضحكك ..
و في الحديث عن أدم عليه و على نبينا الصلاة و السلام أنه لم يضحك بعد قتل ابنه مائة سنة حتى جاءه جبريل عليه السلام فقال : حياك الله و بياك .. فقال : و ما بياك ؟؟... قال : أضحكك .
و قيل عجل لك ما تحب ...
و قال الأحمر و هو لغوي مشهور ..بياك الله معناه بوأك الله منزلا لكنها لما جاءت مع حياك تركت همزتها و حولت واوها ياء أي أسكنك الله منزلا في الجنة و هيأك له .
7- و منه قولهم : " رجع بخفي حنين " و هو مثل يضرب لمن يئس من بلوغ حاجته و رجع خائبا .
و قصته : أن حنينا كان اسكافا من أهل الحيرة فساومه أعرابي بخفين فاختلفا حتى أغضبه فأراد حنين أن يغيظ الأعرابي ..فلما ارتحل الأعرابي أخد حنين أحد خفيه فألقاه في طريقه ثم ألقى الآخر في موقع آخر ..
فلما مرّ الأعرابي بأحداهما قال : ما أشبه هذا بخف حنين .. و لو كان معه الآخر لأخذته و مضى ...فلما انتهى الى الخف الآخر ندم على تركه الأول فأناخ راحلته عند الآخر و رجع الى الأول و قد كمن له حنين .. فلما مضى الأعرابي ليس معه غير الخفين فقال له قومه : ماذا جئت به من سفرك ؟
فقال : جئتكم بخفي حنين ...فصار مثلا يقوله الخاصة و العامة
8- و منه قولهم " أضغاث أحلام " و هو من قوله تعالى في سورة يوسف ( أضغاث أحلام و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ) و ذلك في سياق الحديث عن رؤيا الملك المعروفة .. و هذه العبارة صارت تقال لكل من أخبر عن رؤيا غير واضحة و هي التي لا يصح تأويلها لاختلاطها ..
فالضغث هو الحلم الذي لا تأويل له و لا خير فيه و الجمع أضغاث و سميت بأضغاث أحلام لأنها مختلطة دخل بعضها في بعض .. و أصل الضغث قبضة من قضبا ن مختلفة مثل الأسل و الكراث .. و قيل هو الحزمة من الحشيش ..و قيل هو كل ما ملأ الكف من النبات .. و قيل : هو كل مجموع مقبوض عليه بجمع الكف و هذه المعاني تفيد أن الضغث هو ما جمع من أشياء متفرقة و انتقل هذا المعنى الى الأحلام المختلطة الداخل بعضها في بعض .
9 - و من ذلك قولهم " لله أبوك " في المرح و التعجب و العرب ينسبون أحيانا ما يستحسن و يتعجب له الى الله تعالى و يضيفونه اليه ..
قالوا : بيت الله و ناقة الله تعظيما و تشريفا لكلمتي البيت و الناقة ... فإذا وجد في الولد ما يحمد عليه قالوا له : لله أبوك ..أي أبوك له خالصا حيث أنجب بك و أتى بمثلك .
10- و من ذلك قولهم " لا فضّ فوك " أو لا يفضض الله فاك ... أي لا يكسر الله أسنانك و الفم هنا الأسنان لأنهم قالوا : سقط فوه ...يريدون أسنانه ..و قال بعضهم : أن المعنى هو لا يجعل الله فاك فضاء لا أسنان فيه